تنفيذ الأحكام الأجنبية في الإمارات  
واحد من المواضيع الهامة التي تطرق لها المشرع الإماراتي هو موضوع شروط تنفيذ الأحكام والاوامر والسندات الأجنبية في الدولة، وقبل الخوض بسرد هذه الشروط نذكر بأن المشرع وضع حالات إختصاص محاكم الدولة بنظر الدعاوى التي تقام على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الدولة حيث ورد حصر هذه الحالات في المادة (21) من القانون الإتحادي رقم (11/92) الخاص بالإجراءات المدنية. أُلِفت نظر الزملاء القراء بمعلومة هامة قد تخفي على البعض منهم وهي أن محاكم الدولة تعتبر انها مختصة بنظر أيّة منازعة تعرض أمامها بغض النظر عن أي شرط يعطي صلاحية نظر تلك المنازعة لمحاكم أجنبية اخرى كما لو ذكر في العقد بأن المحاكم الفرنسية على سبيل المثال هي المختصة بنظر أي نزاع ينشأ عن العقد، ففي هذه الحالة لا تعتد محاكمنا بمثل هذا الشرط وتفترض أنها مختصة بالرغم من وجوده. والحال مختلف تماما فيما لو تضمن العقد شرط إحالة أي نزاع ينشأ بسببه إلى التحكيم دون الإلتفات إلى القانون أو المكان الذي ستنظر فيه الدعوى فلو عرض النزاع على محاكم الدولة وأثار المدعى عليه مسألة عدم إختصاص محاكم الدولة لوجود شرط التحكيم فإن المحكمة حتما ستصدر حكمها بعدم الإختصاص لوجود هذا الشرط.
بعد هذه المقدمة دعونا نعرج على الشروط التي تطلب المشرع توافرها لتنفيذ الأحكام الأجنبية بشيء من التفصيل.
نصت المادة (235) من قانون الإجراءات المدنية على أنه:
1- الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها في دولة الإمارات العربية المتحدة بذات الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة في الدولة.
2- ويطلب الأمر بالتنفيذ أمام المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها بالاوضاع المعتادة لرفع الدعوى، ولا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي: (الشروط التي سنعالجها).
الشرط الأول:
- إن محاكم الدولة غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقا لقواعد الإختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها.
المبدأ أنه بثبوت أن النزاع القائم داخل ضمن إختصاص محاكم الدولة فإنه يمنع على القاضي إصدار الأمر بتنفيذ الحكم المتعلق بهذا النزاع وبصرف النظر عن كون النزاع كان قد انعقد له الإختصاص صحيحا طبقا لقانون المحكمة الأجنبية، والحالات التي تندرج تحت هذا المبدأ أي تلك التي يمتنع على قاضي محاكم الدولة الأمر بتنفيذها لكون الحكم الأجنبي صادرا في منازعة داخلة في إختصاص محاكم الدولة ذكرناها في المقدمة بأن المادة (21) من قانون الإجراءات المدنية حصرتها في جملة نقاط وهي كالآتي:
1- اذا كان للأجنبي موطن مختار في الدولة.
2- إذا كانت الدعوى متعلقة بأموال في الدولة أو إرث لمواطن أو تركة فتحت فيها.
3- إذا كانت الدعوى متعلقة بالتزام أبرم أو نُفِّذ أو كان مشروطا تنفيذه في الدولة أو يعقد ويراد توقيعه فيها أو بواقعة حدثت فيها أو بإفلاس أشهر في إحدى محاكمها.
4- إذا كانت الدعوى مرفوعة من زوجة لها موطن في الدولة على زوجها الذي كان له موطن فيها.
5- اذا كانت الدعوى متعلقة بنفقة أحد الوالدين أو زوجة أو بمحجور عليه أو بصغير أو بنسبه أو بالولاية على المال أو النفس إذا كان طالب النفقة أو الزوجة أو الصغير أو المحجور عليه له موطن في الدولة.
6- إذا كانت متعلقة بالأحوال الشخصية وكان المدعي مواطنا أو أجنبيا له موطن في الدولة وذلك اذا لم يكن للمدعى عليه موطن معروف في الخارج أو كان القانون الوطني واجب التطبيق في الدعوى.
7- إذا كان لأحد المدعى عليهم موطن أو محل إقامة في الدولة.
إذاً الشق الأول ذكر بأن محاكم الدولة يجب أن تكون غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر الصادر عن المحاكم الأجنبية وقد أوضحنا حالات إختصاص محاكمنا بحيث لو نظرنا إلى هذه الحالات وجدناها غطت جميع المنازعات التي قد تطرأ في ذهن القارئ تقريبا، فالمتتبع للحالات الواردة في المادة (22) من قانون الإجراءات المدنية يجد من الصعوبة بمكان تطبيق المادة (235) من ذات القانون السابق وعلى وجه الخصوص الشرط الذي نحن بصدده والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ونحن في هذا المورد من الحديث: أين هي الحالات التي لا ينعقد الإختصاص بناء عليها لمحاكم الدولة؟ لقد بحثت في بعض من أحكام المحكمة الإتحادية العليا ومحكمة التمييز بدبي ولم أجد حالة واحدة لتنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية في الدولة؟
أما الشقّ الثاني المكمل لما ذكر سابقا أي عدم إختصاص محاكم الدولة. فقد ذكر بأنه لكي يعطى الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي فلا بد من أن تكون المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقا لقواعد الإختصاص الدولي المقررة في قانونها.
يعني ذلك أن الحكم المراد تنفيذه في دولة الإمارات يجب أن يكون صادرا عن هيئة قضائية مختصة، ومناط الإختصاص يتم وفقا لقواعد الإختصاص الدولي المقررة في قانون تلك الدولة، فتحديد الإختصاص الدولي للمحكمة الأجنبية لا يتم وفقا لقانون دولة الإمارات (بلد التنفيذ) وانما وفقا لقانون الدولة الأجنبية التي اصدرت الحكم ولا يفوتنا أن ننوه بأن وقت رفع الدعوى عامل مهم في تحديد إختصاص المحكمة الأجنبية حيث أن الإختصاص لو توفر في ذلك الوقت فإنه لا عبرة بزواله بعد ذلك، كما لو تم نقل السفينة المتنازع عليها مثلا والتي كانت موجودة في الدولة الأجنبية وقت رفع الدعوى إلى دولة أخرى. هذا من ناحية، من ناحية أخرى يجب أن تكون الهيئة القضائية الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة من الوجهة الدولية أي طبقا لقواعد الإختصاص القضائي الدولي.
الشرط الثاني:
"ان الحكم أو الأمر صادر من محكمة مختصة وفقا لقانون البلد الذي صدر فيه".
وهذا هو الشرط الثاني الذي تطلبه المشرع للامر بتنفيذ الحكم الأجنبي، فعلاوة على تطلبه إختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم من الناحية الدولية، تطلب أيضاً إختصاص هذه المحكمة وفقا لأحكام القانون الداخلي المعمول به في تلك الدولة الأجنبية بحيث يلتزم القاضي قبل إصدار الأمر بالتنفيذ من التحقق بأن المحكمة الأجنبية قد فصلت في المنازعة في حدود إختصاصها المقرر وفقا لقواعد الإختصاص الواردة في القانون المحلي الذي تخضع له المنازعة في الدول الأجنبية.
نستنتج من ذلك بأن المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم لو أنها كانت مختصة من الوجهة الدولية بنظر المنازعة إلا أن إختصاصها منعدم طبقا لقواعد الإختصاص الواردة في القانون المحلي فإن محاكم الدولة يمتنع عليها الأمر بتنفيذ هذا الحكم الأجنبي لتخلف أحد الشروط.
ومن وجهة نظري الشخصية لا أرى موجبا لهذا الشرط المتضمن إختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقا لأحكام قانونها المحلي حيث أنني أعتقد بأن الإختصاص الدولي يجب أن يكون ساميا على الإختصاص المحلي فطالما تحقق شرط إختصاص هذه المحكمة طبقا لقواعد الإختصاص الدولي فلا أرى موجبا للنظر عما اذا كانت المحكمة الأجنبية مختصة محليا من عدمه.
الجدير بالذكر أن القانون المصري اشترط إختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم من الناحية الدولية دون الالتفات إلى مشروعية الإجراءات التي تم اتخاذها في الخارج (الإختصاص المحلي) إلا من الزاوية المتعلقة بمدى احترام الحكم الأجنبي لحقوق الدفاع. وهو ما سيتضح لنا جليا عند معالجة الفقرة التالية.
الشرط الثالث:
"أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد كلفوا بالحضور ومثلوا تمثيلاً صحيحا".
أراد المشرع بهذا الشرط أن تكون الإجراءات التي أُتبعت بشأن الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي سليمة وصحيحة وبمراعاة حقوق الدفاع حيث أن قضاء الدولة التي أصدرت الحكم يجب أن يحترم حقوق الخصوم الإجرائية، وتقرير سلامة هذه الإجراءات من عدمه يتحدد بالرجوع إلى قانون الدولة التي أصدرت الحكم الأجنبي وعليه إذا صدر الحكم الأجنبي في دعوى لم يكلف الخصوم للحضور فإن الحكم لا يمكن تنفيذه في دولة الإمارات العربية المتحدة، فالدعوى لا تكون صحيحة إلا إذا أعلن المدعى عليه إعلانا صحيحا ومثل تمثيلا صحيحا. وهنا نقف لنتساءل ما هو الوضع لو أن الخصوم كلفوا بالحضور إلا انهم تخلفوا عن المثول أمام المحكمة ولم يعينوا من يمثلهم في الدعوى؟ فلو صدر الحكم غيابيا في هذه الحالة، أيمكن قبول هذا الشرط؟
عموماً إضافة لما قيل في الفقرة السابقة يجب احترام حق الدفاع بأن يمكن كل خصم من تقديم أدلته ودفوعه وأن يطلع على ما يقدمه الطرف الآخر من أوراق ومستندات، كما يجب أن تكون جميع الطلبات التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد صرح بها في مواجهة من حكم ضده. وأخيرا يجب أن تتم اجراءات اثبات الخصومة في مواجهة طرفيها.
الشرط الرابع:
"أن الحكم أو الأمر حاز قوة الأمر المقضي طبقا لقانون المحكمة التي أصدرته".
يلزم في الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في دولة الإمارات العربية المتحدة ان يكون نهائيا، والواضح من هذا الشرط أن المرجح في تحديد ما إذا كان الحكم الأجنبي حائزا لقوة الأمر المقضي من عدمه هو قانون المحكمة التي أصدرته.
نستنتج من هذا الشرط أنه لا يكون قابلا للتنفيذ في دولة الإمارات - الأحكام غير النهائية – الحكم الأجنبي المشمول بالنفاذ المعجل لعدم تيقننا من صيرورة هذا الحكم نهائيا فاحتمالات الإلغاء والتعديل واردة عليه – الأحكام الوقتية لانها لا تحوز قوة الأمر المقضي به فهذه الأحكام غير قطعية وبالتالي يكمن الغرض منها باتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية التي يراد منها حماية مصالح وأموال الأطراف حتى يتم الفصل في موضوع الدعوى.
الشرط الخامس:
"أنه لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من محكمة بالدولة ولا يتضمن ما يخالف الآداب أو النظام العام فيها".
هذا هو الشرط اللأخير الذي تطلب المشرع توافره حتى يتم الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي لدى محاكم الدولة، وهو يعني أن الحكم الأجنبي متى ما جاء مناقضا لحكم سابق صدوره بمحاكم الدولة فإن ذلك يشكل تعارضا مع النظام العام وعليه يستحيل تنفيذه في دولة الإمارات. فقاضي الدولة يجب عليه رفض تنفيذ الأحكام المخالفة لأحكامها حفاظا على أحكامها من ناحية وعلى سيادة اقليمها من ناحية أخرى.
ثمة ملاحظة ترد هنا علينا الوقوف أمامها وهي أنه هل يجب أن يكون الحكم السابق صدوره من محاكم الدولة حائزا قوة الأمر المقضي به حتى يمتنع تنفيذ الحكم الأجنبي لتعارضه مع هذا الحكم أم أنه يكفي صدور أي حكم ولو لم يكن نهائيا لثبوت هذا الشرط؟!
الواقع من ظاهر النص يتضح أنه يكفي لإهدار الحكم الأجنبي المطلوب تنفيذه في دولة الإمارات العربية المتحدة صدور حكم من محاكمها أياً كانت درجة قطعيته ولو لم يكن حائزا لقوة الأمر المقضي به.
الشق الآخر الذي احتواه هذا الشرط هو عدم تضمن الحكم الأجنبي ما يخالف الآداب أو النظام العام، والحكم الأجنبي قد يكون متعارضا مع النظام العام في الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها من حيث مضمون ما تقضي به، مثال الحكم الأجنبي الصادر في دعوى المطالبة بدين ناجم عن قمار أو أن يكون الحكم المراد تنفيذه متعارضا مع النظام العام من حيث الإجراءات التي اتبعت كما لو انها لم تحترم حقوق الدفاع فالحكم الذي يهدر هذا الحق تكون الإجراءات المتبعة في شأنه غير صحيحة.
عموما كان ذلك موجزا للشروط التي تطلبها المشرع للأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي حال تخلف أي من هذه الشروط لا يستطيع القاضي الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي وإن توافرت باقي الشروط.
ومما يجدر ذكره ونحن بصدد ختام بحثنا أنه في حال وجود معاهدة مبرمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وأي دولة أجنبية فإن نصوص المعاهدة تكون هي الواجبة التطبيق حتى ولو خالفت ما نص عليه قانون الإجراءات المدنية المادة (238) مثال المعاهدة القضائية المبرمة بين دول مجلس التعاون بشأن تنفيذ الأحكام والإنابات القضائية.
كما لا يفوتنا الاشارة بأن الشروط التي ذكرناها بخصوص تنفيذ الأحكام الأجنبية هي ذاتها المطلوبة لتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي فالمادة (236) من قانون الإجراءات المدنية نصت على أنه: يسري حكم المادة السابقة على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي ويجب أن يكون حكم المحكمين صادرا في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقا لقانون الدولة وقابلا للتنفيذ في البلد الذي صدر فيه".
في النهاية هناك ملاحظة بسيطة أود أن أختتم بها بحثي وهي أنني كما ذكرت في المقدمة أنه من الملاحظ بأن قرارات المحكمة الإتحادية العليا ومحكمة التمييز تفترض إختصاص محاكمنا بنظر اية منازعة ولو نص في العقد صراحة على أن القانون والمحاكم المختصة هي أجنبية، أما بالنسبة لشرط التحكيم فإن وجد في العقد نجد أن محاكمنا تعلن عدم إختصاصها وترفض الدعوى ولو نص صراحة بأن مكان التحكيم خارج الدولة والقانون الواجب التطبيق هو القانون الأجنبي. مما يقودنا إلى أن نستنتج بأن محاكم الدولة من المحتمل أن تنفذ أحكام المحكمين الصادرة خارج الدولة في المستقبل خصوصا اذا استنفدت هذه الأحكام كافة الشروط المطلوبة للأمر بتنفيذها فهي ستنفذ هذه الأحكام لأنها تدعي عدم إختصاصها بنظر الدعوى وخلاف ذلك فيما يخص الأحكام الأجنبية فطالما أن محاكمنا أعلنت إختصاصها بنظر الدعاوى التي صدرت فيها هذه الأحكام فهي لن تلجأ إلى تنفيذه افي حال عدم استيفائها لكامل الشروط التي يجب التحقق منها والتي تطرقنا لها بالشرح على النحو السالف ذكره.

❖ ❖ ❖