طعن رقم 57 لسنة 2007
تاريخ 28/5/2007(طعن مدني)
هيئة المحكمة: الرئيس: د. علي إبراهيم الإمام والاعضاء: محمد نبيل رياض، عبد المنعم محمد وفا، عبد العزيز عبد الله الزرعزني، ضياء الدين علي أبو الحسن.
1- صور التغرير.
2- إعتبار تغرير أحد المتعاقدين بالآخر وتحقق العقد بغبن فاحش مجيزاً طلب من غرر به فسخ العقد.
3- عدم جواز فسخ العقد لمجرد الغرر غير المصحوب بغبن فاحش.
4- عدم جواز فسخ العقد للغبن الفاحش إلا اذا كان مصحوباً بتغرير احد المتعاقدين للآخر إلا في مال المحجور ومال الوقف وأموال الدولة.
5- وجب إثبات الغرر والغبن الفاحش معاً.
6- شرط تحقق الغبن الفاحش.
7- معيار الفداحة في الغبن.
8- طبيعة الحيلة المستعملة من احد المتعاقدين للتغرير بالطرف الثاني.
9- سلطة محكمة الموضوع في تقدير إثبات الغرر الواقع على عاتق المدعي بالغرر بلا معقب عليها.
10- إعتبار إخفاق مدعي الغرر بإثبات مدعاه من شأنه عدم إجابة طلبه بفسخ العقد وإلزامه بتنفيذ إلتزامه بنقل ملكية المبيع للمشتري.
11- سلطة محكمة الموضوع فهم واقع الدعوى وتقدير أدلتها.
12- سلطة محكمة الموضوع في تقدير تقرير الخبير الإستشاري المقدم إليها.
الحكم
بعد الاطلاع على الاوراق وسماع التقرير الذي تلاه بالجلسة القاضي المقرر .................. وبعد المداولة.
حيث ان الطعن بالتمييز قد قدم خلال المدة القانونية مستوفياً لكل موجباته الشكلية فهو مقبول من ناحية الشكل.
حيث ان الوقائع تتحصل في ان المطعون ضده الأول (..................) أقام الدعوى رقم 148/ 2006 مدني كلي امام محكمة دبي الإبتدائية على كل من 1) .................. (الطاعن) 2) .................. (المطعون ضده الثاني) طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد اتفاق عقد تنازل بالبيع عن حصة مؤرخ 2-7-2005 بينه وبين المدعى عليه الأول (الطاعن) في مواجهة المدعى عليه الثاني والمتضمن تنازل بالبيع عن حصة المدعى عليه الأول للمدعى في حصته البالغة 75 حصة بنسبة 25٪ من رأسمال مخبز وحلويات .................. نظير ثمن إجمالي قدره 206.000 درهم دفعت كلها من يد ومال المدعى وبموجب الرخصة الصناعية رقم 557181 الصادرة عن دائرة التنمية الإقتصادية بحكومة دبي. وقال المدعى في بيان دعواه إنه بموجب عقد تأسيس شركة محددة المسئولية مصدق عليها في 5-4-2004 تم تأسيس شركة ذات مسئولية محدودة بإسم مخبز وحلويات .................. مكونة من 300 حصة بواقع 72 حصة له و75 حصة للمدعي عليه الأول و153 حصة للمدعى عليه الثاني، ونُص في البند 7 (1) من عقد التأسيس على انه يجوز لأي شريك ان يتنازل عن حصصه في الشركة الى واحد أو أكثر من باقي الشركاء او للغير. وبناء على ذلك تنازل المدعى عليه الأول في 2-7-2005 عن كامل حصته في الشركة البالغة 75 حصة للمدعى بثمن إجمالي قدره 206.000 درهم دفعه المشتري ليصبح إجمالي حصته في الشركة 147 حصة بنسبة 49 % من رأسمال الشركة. وقد طالب المدعى عليه الأول مراراً للحضور امام الكاتب العدل بدبي للتصديق على عقد التنازل إلا انه تقاعس عن الحضور مما حدا بالمدعى لإقامة هذه الدعوى.
وبتاريخ 28-5-2006 أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق ليثبت المدعى عليه الأول التغرير الذي يدعيه الصادر من المدعى والذي حمله للتنازل عن حصته في المخبز محل الدعوى. وفي جلسة التحقيق بتاريخ 20-6-2006 قرر وكيل المدعى عليه الأول انه ليس لديه شهود وطلب إعادة الدعوى للمرافعة لتقديم مستندات. وفي جلسة 19-9-2006 قدم وكيل المدعى عليه الأول لائحة دعوى متقابلة قال فيها انه وقع في غش وتدليس عند توقيعه على عقد التنازل من قبل المدعى الذي أخفى عنه الأرباح الحقيقية للمخبز وطلب تعيين خبير محاسبي كما قدم تقرير خبير محاسبي استشاري وطلب رفض الدعوى الأصلية والحكم له بطلباته في الدعوى المتقابلة (بطلان العقد سند الدعوى).
وبتاريخ 12-12-2006 حكمت المحكمة برفض الطلب العارض وفي الدعوى الأصلية بصحة ونفاذ عقد الإتفاق المؤرخ 2-7-2005 ورفضت ما عدا ذلك من طلبات. استأنف المدعى عليه الأول هذا الحكم بالإستئناف رقم 2/2007 مدني، وبتاريخ 22-2-2007 حكمت المحكمة برفض الإستئناف وبتأييد الحكم المستأنف.
طعن المدعى عليه الأول في هذا الحكم بطريق التمييز بموجب صحيفة أودعت بقلم كتاب هذه المحكمة في 22-3-2007 طلب فيها نقضه. وأودع محامي المطعون ضده الأول (..................) – في الميعاد – مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الإستدلال والإخلال بحق الدفاع إذ أيد قضاء حكم محكمة أول درجة بصحة التنازل الصادر منه وبصحة العقد المبرم بينه وبين المطعون ضده الأول مغفلاً بذلك العديد من الأدلة التي تثبت خداع وتغرير المطعون ضده الأول له والمتمثل في تصويره حالة المخبز محل الشراكة بين الطرفين بصورة مخالفة للواقع بأن صوره للطاعن بأنه خاسر وخسائره مستمرة وذلك دون ان يطلع الطاعن على دفاتر وسجلات المخبز مما حمل الطاعن على إبرام عقد التنازل والذي ما كان سيبرمه لولا هذه الوسيلة الإحتيالية لا سيما وان المطعون ضده الأول هو المدير المتولي إدارة المخبز والطاعن مشغول بعمله كدكتور في جامعة موسكو ولا يمكث طويلاً بالدولة. والثابت بالأوراق ان المطعون ضده الأول – كمدير مسئول – ملزم بإعداد دفاتر وحسابات دورية لكل سنة مالية وهو لم يفعل ذلك ولم يمسك أية دفاتر او حسابات للمخبز محل الشراكة واستغل حسن نية الطاعن وخدعه بإخفاء الحقيقة عنه والتي بينها الخبير المحاسبي الإستشاري بأن صافي الربح التقديري للمخبز مبلغ 1,505,625 درهماً مقسمة على الطرفين بواقع كل طرف 525,869 درهماً في حين ان التنازل تم بمبلغ وقدره 206,000 درهم فقط. وقد قدم الطاعن هذا التقرير المحاسبي والذي يبين ايضاً عدم امساك المطعون ضده الأول بأية دفاتر او سجلات محاسبية للمخبز وانه قد بنى تقريره على الفواتير الصادرة عن المخبز والمتوفرة لدى الطاعن. وقد طلب الطاعن من محكمة الإستئناف ندب خبير محاسبي لإثبات الغش والتغرير والخداع الذي وقع عليه وذلك من خلال الوضع المالي للمخبز من واقع دفاتره وسجلاته التي بيد المطعون ضده الأول، وهي وسيلة الطاعن الوحيدة لإثبات مدعاه الا ان المحكمة لم تجبه إليه دون مبرر مكتفية بترديد ما انتهى إليه الحكم الإبتدائي حال ان المقصود بالتغرير المنصوص عليه في المادة 185 من قانون المعاملات المدنية هو الخداع بمقياس الشخص المعتاد وهو ما وقع على الطاعن. وإذ لم يرد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع الجوهري المؤيد بالمستندات الدالة على صحته فإن الحكم يكون حرياً بالنقض.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك ان النص في المادة 185 من قانون المعاملات المدنية على ان ((التغرير هو ان يخدع احد المتعاقدين الآخر بوسائل إحتيالية قولية او فعلية تحمله علي الرضا بما لم يكن ليرضى به بغيرها)) مفاده ان التغرير يتخذ إحدى صورتين هما التغرير القولي الذي يكون بمجرد القول اي بمجرد الكذب والتغرير الفعلي الذي يقع بعمل من العاقد يقصد به الى تضليل المتعاقد الآخر في حقيقة المعقود عليه ويدفعه الى التعاقد بغبن. وان النص في المادة 187 من ذات القانون على انه ((إذ غرر أحد المتعاقدين بالآخر وتتحقق ان العقد تم بغبن فاحش جاز لمن غرر به فسخ العقد)) والنص في المادة 191 منه على انه ((لا يفسخ العقد بالغبن الفاحش بلا تغرير إلا في مال المحجور ومال الوقف وأموال الدولة)) مفاده
إنه اذا غرر أحد المتعاقدين بالآخر وتحقق ان العقد تم بغبن فاحش جاز طلب من غرر به فسخ العقد.
ولا يفسخ العقد لمجرد الغرر غير المصحوب بغبن فاحش.
كما لا يفسخ العقد للغبن الفاحش ما لم يكن مصحوباً بتغرير احد المتعاقدين للآخر إلا في مال المحجور ومال الوقف وأموال الدولة. أي
أنه يتعين إثبات الغرر والغبن الفاحش معاً.
ولا يتحقق الغبن الفاحش إلا بإختلال التعادل إختلالاً فادحاً بين قيمة المبيع الحقيقية والثمن الذي اشتراه به المشتري ذلك ان الغبن في المعاملات يصعب الإحتراز منه.
ومعيار الفداحة هو معيار متغير تبعاً للظروف المحيطة بالبيع وما تواضع عليه الناس في معاملاتهم.
كما ان الحيلة التي يستعملها احد المتعاقدين للتغرير بالطرف الثاني يجب ان تكون من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الأخير العقد.
وعبء اثبات كل ذلك يقع على عاتق المتعاقد الذي يدعى الغرر، وتقدير مدى قيامه بهذا العبء من عدمه هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع بلا معقب عليها متى كان استخلاصها سائغاً.
فإذا ما أخفق في إثبات مدعاه على الوجه المذكور فإنه لا يجاب الى طلبه بفسخ العقد ويلتزم – طبقاً للمادة 511 من قانون المعاملات المدنية – بتنفيذ التزامه بنقل ملكية المبيع للمشتري.
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على ان سلطة فهم وتحصيل الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها هو مما تستقل به محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على اسباب سائغة لها معينها الصحيح في الأوراق.
وان لها السلطة التامة في تقدير تقرير الخبير الإستشاري المقدم اليها فلها ان تأخذ به او ببعضه او لا تأخذ به وذلك حسب اطمئنانها إليه ولا تثريب عليها ان هي لم تجب الخصم الى طلبه بتعيين خبير متى رأت ان الواقعة المراد إثباتها عن طريق الخبرة غير منتجة في الدعوى وذلك بما لها من سلطة في تقدير لزوم او عدم لزوم تعيين الخبراء في الدعوى. لما كان ذلك وكان الحكم الإبتدائي – المؤيد بالحكم المطعون فيه – قد قضى برفض الطلب العارض المقدم من المدعى عليه الأول الطاعن ببطلان العقد سند الدعوى وبصحة ونفاذ عقد الإتفاق المؤرخ 2-7-2005 وأورد في مدوناته قوله إن ((العقد موضوع الدعوى والمؤرخ 20-7-2005 قد توافرت فيه شروطه وأركانه من حيث الرضا والمحل والسبب ومن ثم يكون العقد قد انعقد صحيحاً وبالتالي يتعين على المدعى عليه الأول البائع (الطاعن) ان يقوم بتنفيذ التزامه قبل المدعى المشتري (المطعون ضده الأول) بنقل ملكية المبيع له كأثر من آثار عقد البيع... ولا ينال من ذلك ما قرره المدعى عليه الأول والمدعى في الطلب العارض من ان إرادته كانت معيبة عند إنعقاد العقد لوقوعه في غش وتدليس من قبل المدعي عليه في الطلب العارض – المدعى في الدعوى الأصلية – إذ أخفى عنه الأرباح الحقيقية للمخبز وأنه إذا كان يعلم حقيقة ذلك وقت التعاقد لما كان قد اقدم على هذا البيع، فإن هذا قول منه جاء مرسلاً ولم يقم عليه الدليل إذ منحت له المحكمة بهيئة سابقة إثبات ما يدعيه بإحالة الدعوى الى التحقيق إلا انه عجز عن إثبات ذلك)) وكان الحكم المطعون فيه قد أضاف الى هذه الأسباب قوله ان ((المادة 185 من قانون المعاملات المدنية قد نصت على... ولما كانت محكمة أول درجة قد أحالت الدعوى الى التحقيق ليثبت المستأنف (الطاعن) بكافة طرق الإثبات القانونية التغرير الذي يدعيه الصادر من المدعى والذي حمله على التنازل عن حصته في المخبز موضوع النزاع، وكان المستأنف قد تقاعس عن إحضار شهوده لإثبات ما يدعيه، ولم يقدم دليلاً آخر تعول عليه المحكمة إلا تقريراً استشارياً لا تطمئن إليه المحكمة خاصة وان هذا التقرير لا يتضمن إثباتاً لحصول تغرير خضع له المستأنف بوسائل احتيالية قولية او فعلية من المستأنف ضده حملته على توقيع عقد الإتفاق موضوع الدعوى، فإن مؤدى ذلك ان المستأنف يكون قد عجز عن إثبات دفاعه. لما كان ذلك وكانت المحكمة تلتفت عن طلب المذكور ندب خبير ذلك ان المهمة التي طلب المستأنف إسنادها الى الخبير هي مجرد بيان القيمة السوقية للمخبز وليس لإثبات حصول التغرير بالمستأنف على النحو المبين بنص المادة 185 المشار إليها، فإن الإستئناف والحال كذلك يكون قد بني على غير اساس)) ولما كانت هذه الأسباب سائغة ولها معينها الصحيح في الأوراق وفيها الرد الكافي المسقط لكل ما أثاره الطاعن في طعنه فإن النعي على الحكم يضحى مجرد جدل فيما تستقل بتحصيله وتقديره محكمة الموضوع من أدلة الدعوى ومما تنحسر عنه رقابة محكمة التمييز.
وحيث انه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

* * *