طعن رقم 109 لسنة 2007
تاريخ 24/6/2007(طعن مدني)
هيئه المحكمة: الرئيس: ‏محمد محمود راسم والاعضاء: ‏فتحية محمود قره، زهير أحمد بسيوني، سعيد عبد الحميد فودة، حسن محمود الأبياري.
‏‏1- حق السلطة المختصة في الإمارة التي لها هيئة قضائية مستقلة عن القضاء الإتحادي بإصدار التشريعات الخاصة بها والمتعلقة بشئون تنظيم العمل فيها.
2- خضوع العاملين في الهيئة القضائية بإمارة دبي من قضاة وأعضاء النيابة العامة للتشريعات الخاصة بهم الصادرة عن سمو حاكم دبي.
3- تحظير إقامة أي دعوى حقوقية ضد قضاة المحاكم والنيابة العامة متعلقة بممارسة وظائفهم في الهيئة القضائية بإمارة دبي.
4- إعتبار المادة 14 من قانون تشكيل المحاكم في إمارة دبي والمادة 2 من القانون رقم 8 لسنة 1992 قوانين خاصة تحد من تطبيق المادة 197 إجراءات مدنية.
5- تقييد القانون الخاص مطلق القانون العام.
6- إعتبار دعوى مخاصمة أحد أعضاء الهيئة القضائية الرامية الى مساءلته مدنياً والحكم عليه بالتعويضات لإرتكابه غش او تدليس او خطأ مهني جسيم دعوى حقوقية محظور إقامتها ضد العاملين منهم في إمارة دبي.
الحكم
‏‏‏‏بعد الإطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي أعده وتلاه بجلسة المرافعة السيد القاضي المقرر..................... والمرافعة وبعد المداولة.
‏حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
‏وحيث ان الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في ان ..................... (الطاعن) أقام على كل من السادة أعضاء النيابة العامة بدبي: 1- ..................... 2- ..................... 3- ..................... (المطعون ضدهم) دعوى المخاصمة رقم 1 لسنة 2007 وذلك بتقرير في قلم كتاب محكمة إستئناف دبي طلب فيها الحكم بقبول المخاصمة وإلزامهم بأن يؤدوا إليه مبلغ عشرة ملايين درهم تعويضاً عما أصابه من أضرار مادية ومعنوية، وذلك تأسيساً على ان أعضاء النيابة المخاصمين قد ارتكبوا – عند توليهم سلطة التحقيق والاتهام في الدعوى الجزائية رقم 18746 لسنة 2005 وإستئنافها وتمييزها والمتهم فيها المدعى – أخطاء مهنية جسيمة وغشاً وتدليساً – على النحو المبين تفصيلاً في صحيفة الدعوى – وأنه لما كانت المادة 197 من قانون الإجراءات المدنية قد أجازت مخاصمة أعضاء النيابة العامة متى وقع منهم خطأ مهني جسيم، ومن ثم فقد أقام الدعوى، دفع المخاصمين بعدم جواز المخاصمة اعمالاً للمادة 9 من القانون رقم 8 لسنة 1992 بشأن النيابة العامة، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها تمسكت فيها بذات الدفع، وبتاريخ 25-4-2007 قضت المحكمة بعدم قبول دعوى المخاصمة تأسيساً على عدم توافر الخطأ المهني الجسيم او الغش او التدليس، وأشارت في أسبابها الى رفض الدفع بعدم جواز مخاصمة أعضاء النيابة العامة وبجواز مخاصمتهم تأسيساً على ما تقضى به المادة 197 من قانون الإجراءات المدنية، طعن المدعى في هذا الحكم بالتمييز الماثل بصحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة في 24-5-2007 طلب فيها نقضه، وقدم المطعون ضده الثالث مذكرة بدفاعه – في الميعاد – دفع فيها بعدم جواز الدعوى وطلب احتياطياً رفضها، وبعد ان عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت انه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره.
وحيث ان الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والفساد في الإستدلال، إذ فصل في موضوع المخاصمة وهي في مرحلتها الأولى وقضى بعدم قبولها تأسيساً على ان ما نسبه الطاعن الى أعضاء النيابة المطعون ضدهم لا يشكل في حق أي منهم خطأ مهنياً جسيماً او غشاً او تدليساً، دون ان يتيح للطاعن فرصة إبداء دفاعه في موضوع المخاصمة، هذا فضلاً عن خطأ الحكم فيما خلص إليه من نفي الخطأ الجسيم المنسوب للمطعون ضدهم، ومن ثم فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر وفق ما تقضى به المادة 104 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة من ان ((تتولى الهيئات القضائية المحلية في كل إمارة جميع المسائل القضائية التي لم يعهد بها للقضاء الإتحادي بمقتضى أحكام هذا الدستور)) وما تقضى به المادة 116 منه من ان ((تتولى الإمارات جميع السلطات التي لم يعهد بها هذا الدستور للإتحاد...)) يدل على، أنه متى كانت الإمارة لها هيئة قضائية مستقلة عن القضاء الإتحادي فإنه يحق للسلطة المختصة في هذه الإمارة إصدار التشريعات الخاصة بها والمتعلقة بشئون تنظيم العمل فيها بما في ذلك شئون القضاة وأعضاء النيابة العامة العاملين في تلك الهيئة المستقلة.
ولما كانت الهيئة القضائية في إمارة دبي مستقلة عن القضاء الإتحادي، وبالتالي فإن شئون العاملين فيها من قضاة وأعضاء النيابة العامة تخضع لما يصدره سمو حاكم دبي من تشريعات خاصة بهم، وتلتزم محاكمها بتطبيق ما يصدره سمو الحاكم من تشريعات في هذا الصدد. وقد أصدر سموه قانون تشكيل المحاكم في إمارة دبي رقم 3 لسنة 1992 حيث نصت المادة 14 منه على انه ((1- لا تجوز الدعوى الجزائية او الحقوقية ضد أي قاض من قضاة المحاكم لأي وقائع تتصل بواجبه كقاضي. 2- ومع مراعاة أحكام الفقرة السابقة، لا تقبل الدعاوى الجزائية ضد القضاة إلا بموافقة الحاكم. 3- ليس في هذا القانون ما يمنع اتخاذ أية إجراءات تأديبية ضد القاضي))، كما نصت المادة 25 منه على ان ((يلغى أي نص في اي تشريع آخر الى المدى الذي يتعارض فيه وأحكام هذا القانون))، كما أصدر سموه القانون رقم 8 لسنة 1992 بشأن النيابة العامة الذي نص في المادة الثانية منه على ان ((النيابة العامة جزء من الهيئة القضائية وتتولى سلطة التحقيق والاتهام لدى المحاكم المختصة...)) وفي المادة التاسعة منه على انه ((1- لا تجوز الدعوى الجزائية او الحقوقية ضد أي عضو من أعضاء النيابة العامة لأية وقائع تتصل بواجبه. 2- في غير حالات التلبس بالجريمة، لا يجوز القبض على عضو النيابة وحبسه احتياطياً إلا بعد الحصول على إذن بذلك من الحاكم – وفي حالات التلبس...))، كما نص في المادة 19 منه على ان ((يلغى أي نص في أي قانون آخر الى المدى الذي يتعارض فيه وأحكام هذا القانون))، مما مفاده،
ان السلطة المختصة في إمارة دبي قد أصدرت تشريعاً خاصاً يتعلق بشئون الهيئة القضائية بها لكل من قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة حظرت بموجبه إقامة أي دعوى حقوقية ضدهم تتعلق بما يمارسونه من واجبات بمناسبة تأدية وظائفهم في الهيئة القضائية بإمارة دبي.
ويعد كل من القانونين المشار إليهما قانوناً خاصاً يحد من عموم الحكم الوارد في قانون الإجراءات المدنية فيما نصت عليه المادة 197 منه بأنه ((تجوز مخاصمة قضاة المحاكم الإبتدائية ومحاكم الإستئناف وأعضاء النيابة العامة في الأحوال الآتية: 1- ..................... 2- .....................)). إذاً،
من المقرر ان القانون الخاص يقيد مطلق القانون العام طالما قام دليل التقييد نصاً او دلالة ولذلك فقد حرص المشرع على النص في كل من القانونين المشار إليهما على إلغاء ما قد يرد في أي قانون آخر من نصوص تتعارض مع ما ورد بهما من أحكام خاصة تتعلق بشئون القضاة وأعضاء النيابة العامة.
ولما كانت دعوى مخاصمة أحد أعضاء الهيئة القضائية هي دعوى خاصة ترمي الى مساءلته مدنياً والحكم عليه بالتعويضات إذا وقع منه في عمله غشاً أو تدليساً او خطأ مهنياً جسيماً وذلك وفق ما تقضى به الفقرتان 1، 2 من المادة 197 من القانون المشار إليه وبالتالي فإنها تعد دعوى حقوقية محظور إقامتها ضد العاملين منهم في إمارة دبي، وقد جاء النص بشأن هذا الحظر قطعي الدلالة في لفظه وفحواه مما لا مساغ معه للإجتهاد بشأنه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع المبدى بعدم جواز مخاصمة أعضاء النيابة العامة وعرض للفصل في موضوع المخاصمة اعمالاً لما ورد بقانون الإجراءات المدنية بشأن مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة، رغم عدم جواز إقامة الدعوى لتعلق موضوعها – حسبما يدعى الطاعن – بما قام به المطعون ضدهم أعضاء النيابة العامة من تصرفات بمناسبة تأدية واجبات وظائفهم وفق ما يقضى به القانون رقم 8 لسنة 1992 المشار إليه آنفاً، ومن ثم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث أسباب الطعن.
‏وحيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها، وبالتالي ولما سلف بيانه من أسباب فإنه يتعين القضاء مجدداً بعدم جواز مخاصمة أعضاء النيابة المطعون ضدهم.

* * *