طعن رقم 184 لسنة 2008 (طعن مدني)
صادر بتاريخ 23/11/2008
هيئة المحكمة: الرئيس: فتحية محمود قره والاعضاء: زهير أحمد بسيوني، حسن محمود الأبياري، محمد خميس البسيوني، سيد محمود قايد.
1- عدم جواز نزع الملكية بلا سبب شرعي.
2- وجوب نزع الملكية للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل.
3- حصر إختصاص المحاكم الإتحادية في جميع المنازعات بين الدولة والأفراد بالمنازعات الناشئة بين الحكومة الإتحادية والأفراد.
4- إعتبار القضاء المحلي في إمارة دبي جهة قضائية مستقلة عن القضاء الإتحادي.
5- نطاق ولاية محاكم دبي.
6- عدم جواز تنازل محاكم دبي عن إختصاصها أو إنتزاع إختصاص غيرها لتعلق هذه المسألة بالنظام العام.
7- إعتبار محاكم دبي صاحبة الولاية العامة في نظر جميع المنازعات المدنية والتجارية والإدارية ومسائل الأحوال الشخصية إلا ما إستثني منها بتشريع خاص.
8- جواز الطعن بقرار نزع الملكية الصادر عن بلدية دبي أمام القضاء لخلو مرسوم سمو حاكم دبي الذي أعطاها هذه الصلاحية من منع الطرف المتضرر من اللجوء الى القضاء او أن هذا القرار نهائي غير قابل للطعن.
9- عدم إعتبار قرار نزع الملكية للمنفعة العامة ناقلاً العقار من يد مالكه ما لم يقتضى التعويض العادل المقابل لذلك.
10-إعتبار قضاء الحكم المطعون فيه برفض دفع البلدية الطاعنة بعدم قبول دعوى المطعون ضدهما بالتعويض عن نزع ملكيتهما للأراضي والمباني لرفعها قبل الأوان مصادفاً صحيح القانون لإستمرار البلدية في الممانعة بمنح التعويض المناسب بالرغم من عدم إستلامها الفعلي للعقارات.
11- معايير تقدير التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة .
12- سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة وعمل أهل الخبرة .
الحكم
بعد الاطلاع على الاوراق وسماع التلخيص الذي اعده وتلاه بالجلسة السيد القاضي المقرر..........وبعد المداولة.
حيث ان الطعن استوفى اوضاعه الشكلية.
وحيث ان الوقائع تتحصل – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الاوراق – في ان المطعون ضدهما 1- ........2-.........، اقامتا على الطاعنة (بلدية دبي) الدعوى رقم 776 لسنة 2006 مدني كلي بطلب الحكم بالزامها بأن تؤدي اليهما مبلغ 10.500.000 درهم تعويضا لهما عما اصابهما من اضرار من جراء قرار الاخيرة بنزع ملكيتهما للأرض والمباني المملوكة لهما والمبينة الحدود والعالم بالاوراق، والفوائد بواقع 12% سنويا من تاريخ 1-9-2005 وحتى تمام السداد، وقالت في بيان ذلك انهما المالكتان للأرض المنزوعة عن طريق الشراء من ورثة......بوجب عقد البيع رقم 4305 لسنة 2002 والمؤرخ 18-3-2002 نظير ثمن مدفوع قدره 3.200.000 درهم طبقا لشهادة الملكية الصادرة في 19-3-2002، وان هذه الارض مقام عليها مبنى تجاري بحالة ممتازة ومهيئه للاستعمال التجاري حسب المعلومات التخطيطية وانهما قد اجرتا المبنى سنويا عن المدة من 1-6-2002 الى 31-5-2003 بأجرة قدرها 250000 درهم بموجب عقد ايجار مؤرخ 8-5-2005، واستمر عقد الايجار بذات الاجرة المتفق عليها الى ان اخطرتهما المدعى عليها (دائرة .......بدبي) بتأثر قطعة الارض بكاملها بالتخطيط وانه قد صدر قرار بنزع ملكيتهما لتلك الارض والمباني المقامة عليها للمنفعة العامة وقدرت لهما تعويضا مقابلا لذلك قدره 753587 درهم، ولما كان هذا التعويض غير عادل ولا يتناسب مع القيمة الفعلية لقطعة الارض والبناء، نظرا للموقع المميز للأرض والمبنى، وان التعويض يقل بكثير عن الثمن المدفوع في قطعة الارض وقت الشراء، اضافة الى ما طرأ من زيادة اسعار العقارات في الاونه الاخيرة بالنظر الى النهضة العمرانية الحضارية المتجددة، مما حدا بهما الى التظلم اداريا من هذا التقدير للمدعى عليها، حيث زادت هذا التعوض الى مبلغ 980587 درهما دون بيان الاساس في هذا التقدير، وان كلا التقديرين يقل عن القيمة الحقيقية للعقار، كما انذرت المدعى عليها مستأجر المبنى باخلائه وبقطع خدمات الماء والكهرباء والاتصالات عن المبنى في موعد اقصاه 1-9-2005 مما اضطره الى ترك العين واخلائها رغم ان اجرة تلك العين كانت تمثل للمدعيتان (المطعون ضدهما) موردا معيشيا هاما لهما. وانه التزاما بأحكام القانون رقم 10 لسنة 2005 المعدل لاحكام القانون رقم 3 لسنة 1996 في شأن الدعاوى التي تقام على الحكومة، فقد لجأت الى ديوان سمو الحاكم لعرض النزاع، واذ تعذرت التسوية طبقا للشهادة الصادرة عن مكتب المستشار القانوني لحكومة دبي في 9-1-2006، ومن ثم فقد اقامتا الدعوى الماثلة بطلباتهما سالفة البيان. دفعت المدعى عليها بعدم سماع الدعوى لرفعها بغير الاجراءات المنصوص عليها في القانون المشار اليه، وبعدم قبولها لرفعها قبل الاوان. وبتاريخ 24-5-2007 - وبعد ان رفضت المحكمة الدفعين، حكمت بندب خبير في الدعوى للانتقال لمعاينة الارض محل النزاع وبيان موقعها ووصفها ومساحتها وما عليها من مبان وتحديد سعرها وفقا للسائد في السوق في تاريخ صدور قرار هدمهما وازالتهما، وما اذا كانت المدعيتان تؤجران هذه المباني من عدمه وفي الحالة الاولى بيان مدة الايجار وتاريخ انتهائه ومقداره وصولا لمعرفة مدى مناسبة التعويض المقدر من المدعى عليها. وبعد ان قدم الخبير تقريره، وقامت المدعيتان بادخال النائب العام خصما في الدعوى، عدلتا طلباتهما بطلب الحكم بالزام المدعى عليها بأن تؤدى لهما مبلغ عشرة ملايين درهم والفوائد بواقع 12% من 1-9-2005 حتى تاريخ السداد، واحتياطيا بالزامها مع الخصم المدخل بتخصيص قطعة ارض بديله في منطقة تجارية بذات المواصفات والمساحة، وبألزامهما بأن يؤديا لهما قيمة المباني القائمة بعد تقييمها وبالزامهما بأن يؤديا لهما ايضا مبلغ 250000 درهم سنويا من 1-9-2005 حتى تاريخ اكتمال المباني على قطعة الارض البديلة والفوائد القانونية بواقع 12% وبتاريخ 13-9-2007 قدمتا مذكرة بدفاعهما طلبتا في ختامها اصلياً: بإلزام المدعى عليهما بالتضامن بأن يؤديا لهما مبلغ 10000000 درهم تعويض عادل والفوائد بواقع 12% سنوياً من تاريخ 1-9-2005 حتى السداد التام. واحتياطيا: 1- الغاء قرار نزاع الملكية وكافة الاجراءات المتعلقة به، مع الزامهما بإعادة الكهرباء والماء والاتصالات للقطعة المذكورة وبالتالي تسليمها لهما وتعويضهما بمبلغ 5000000 درهم عما لحقهما وما لحق بالقطعة المنزوعة من اضرار جسيمة وما فاتهما من كسب عظيم 2 – الزام المدعى عليهما بأن يؤديا بالتضامن للمدعيتين الاجرة السنوية للقطعة المنزوعة بواقع 250000 درهم سنويا اعتبارا من تاريخ 1-9-2005 وحتى تمام اعادة تسليم القطعة للمدعيتين مع الفائدة القانونية بواقع 12% سنويا اعتبارا من 1-9-2005 وحتى تمام السداد التام وبتاريخ 31-3-2008 حكمت المحكمة حضوريا بعدم قبول ادخال النائب العام شكلا، وبإلزام المدعى عليها (بلدية........) بأن تؤدي للمدعيتان مبلغ 3645823 درهما والفوائد بواقع 9% سنويا من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا وحتى تمام السداد طعنت المدعيتان على هذا الحكم بالاستئناف رقم 313 لسنة 2008 مدني، كما طعنت المدعى عليها على هذا الحكم بالاستنئاف رقم 320 لسنة 2008 مدني وبعد ان ضمت المحكمة الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، حكمت بتاريخ 26-5-2008 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت المدعى عليهما (بلدية........) على هذا الحكم بالتمييز الماثل بموجب صحيفة اودعت قلم كتاب هذه المحكمة في 29-6-2008 طلبت فيها نقضه، وقدم محامي المطعون ضدهما مذكرة بالرد – في الميعاد – طلبا فيها رفض الطعن.
وحيث ان الطعن بعد ان عرض على المحكمة في غرفة مشورة، رأت انه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره.
وحيث ان الطعن اقيم على اربعة اسباب تنعى الطاعنة (بلدية........) بالسبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك ان سمو حاكم دبي قد اصدر في غصون عام 1964 مرسوما خول فيه لبلدية دبي نزع ملكية اية اراضي مشموله في مشروع التخطيط العام وتكون ضرورية لفتح او انشاء او تحويل او توسيع اي طريق او شارع او ميدان او حديقة او مساحة عامة او موقف عام او اي غرض تقتضيه المصلحة العامة، على ان يتم تعويض مالك الارض التي تتأثر بمشروع التخطيط وفقا للوائح التي تصدرها البلدية، وانه بتاريخ 13-8-1984 اصدرت بلدية دبي بموجب الصلاحيات المخوله لها بموجب هذا المرسوم قرارات تنظيمية جاء بها انه لا يسمح باسترجاع اي من المستندات الخاصة بالاراضي المتأثره الا في الحالات الضرورية القصوى وبموافقة لجنة التعويضات بالمجلس البلدي على ان يحرر صاحب الارض المتأثرة تعهدا بعدم التصرف بالجزء المتأثر وان يعيد المستندات الى قسم التعويضات في مدة تحددها اللجنة، مما مؤداه ان قرار نزع ملكية الارض محل النزاع المملوكة للمطعون ضدهما يكون صحيحا، وان احقية المطعون ضدهما في التعويض انما يكون مستمدا نطاقه وحدوده في اطار لوائح بلدية دبي دون غيرها، وان تقديراتها لهذا التعويض تكون بقرارات نهائية، وان التظلم من هذه القرارات لا يكون الا امامها وحدها، ويكون قرارها الصادر في التظلم نهائيا، وبالتالي فلا يجوز المجادلة فيه من بعد امام القضاء، واذ كان قرارها الصادر في التظلم نهائيا، وبالتالي فلا يجوز المجادلة فيه من بعد امام القضاء، واذ كان المطعون ضدهما قد تظلمتا من قرار لجنة التقدير وصدر القرار في التظلم بأحقيتهم في زيادة مبلغ التعويض عن الارض والآنشاءات المقامة عليها، فإن لازم ذلك ومقتضاه واعمالا للمرسوم المشار اليه والقرار التنظيمي الصادر من بلدية دبي سالفي الذكر، يضحى المشرع قد رسم طريق اقتضاء التعويض من قرار نزاع الملكية والتظلم منه امام البلدية دون غيرها، وبالتالي يكون قرارها في هذا الشأن نهائيا، وتكون الدعوى الماثلة طعنا على قرار نزع الملكية غير مقبول اصلا امام المحاكم، واذ لم يأبه الحكم المطعون فيه للدفه المبدى من الطاعنة في هذا الخصوص، وانتهى الى رفضه، ومن ثم فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث ان هذا النعي غير سديد، ذلك انه وفقا لنص المادة 1135 من قانون المعاملات المدنية لا يجوز نزع ملكية احد بلا سبب شرعي،
وانه اذا نزعت الملكية للمنفعة العامة فإن ذلك يكون مقابل تعويض عادل طبقاً لاحكام القانون ومن المقرر وفقا لنص المادتين 102، 104 من دستور دولة الامارات العربية المتحدة، والمادة الاولى من قانون اصدار قانون الاجراءات المدنية رقم 11 لسنة 1992 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 2005، والمادة 25 من قانون الاجراءات المدنية المعدلة ايضا، والمادة الثالثة من قانون تشكيل المحاكم رقم 3 لسنة 1992 – وعلى ما قررته هذه المحكمة -
ان اختصاص المحاكم الاتحادية بالنظر في جميع المنازعات بين الدولة والافراد سواء كانت مدنيه او تجارية او ادارية، انما ينحصر في المنازعات التي تنشأن بين الحكومة الاتحادية والافراد سواء كانت مدعية او مدعى عليها فيها.
وان القضاء المحلي في امارة دبي فهو يشكل جهة قضائية مستقلة عن القضاء الاتحادي،
وان ولاية محاكم دبي تشمل جميع المنازعات في الامارة عدا المنازعات ذات الطبيعة الخاصة التي حددتها المادة 102 من الدستور، والقوانين واللوائح والاوامر والتعليمات الصادرة والمراسيم الصادرة من سمو الحاكم او من يفوضه في هذا الشأن.
ويتعين على تلك المحاكم ان تلتزم حدودها ولا تخالفها سلبا او ايجابا فلا تتنازل عن اختصاصها ولا تنتزع اختصاص غيرها بموجب هذه القوانين، ويكون الاختصاص على هذا النحو من النظام العام ولا يجوز بالتالي مخالفته
مما مؤداه ان المحاكم امارة دبي هي صاحبة الولاية العامة في نظر جميع المنازعات المدنية والتجارية والادارية ومسائل الاحوال الشخصية، عدا ما استثنى منها بتشريع، خاص،
لما كان ذلك وكان الثابت بالاوراق وحسبما يبين من مطالعة مرسوم سمو حاكم دبي الصادر في 1-1-1964 – والمقدم في الاوراق – بشأن نزع الملكية من اجل الطرق والحدائق والساحات العامة ومواقف السيارات والمواقع الخاصة بالمدارس والمستشفيات او لأي غرض آخر تقتضيه المصلحة العامة، ان نص في المادة (1) منه على انه ((يكون لمجلس بلدية دبي صلاحية نزع ملكية اية ارض مشمولة في مشروع التخطيط العام وضرورية لفتح او لانشاء او تحويل او توسيع اي طريق او شارع او ميدان او حديقة او ساحة عامة او موقف عام او لأي غرض آخر تقتضيه المصلحة العامة) ونص في المادة الثانية منه على ان ((يكون مستحقا للتعويض اي مالك لأرض تتأثر بمشروع التخطيط العام وفقا للوائح التي تصدرها البلدية)) وكان الثابت من مطالعة القرار التنظيمي الصادر من رئيس بلدية دبي بتاريخ 13-8-1984، ان نص فيه على انه ((بعد الاطلاع على الصلاحيات المخولة لنا بموجب مرسوم تأسيس بلدية دبي ولصالح العمل قررنا ما يلي: مادة (1) لا يسمح بإسترجاع اي من المستندات الخاصة بالاراضي المتأثرة الا في الحالات الضرورية القصوى وبموافقة لجنة التعويضات بالمجلس البلدي على ان يحرر صاحب الارض المتأثرة تعهدا بعدم التصرف بالجزء المتأثرة وان يعيد المستند الى قسم التعويضات في مدة تحددها اللجنة. م(2) ينفذ اعتبار من تاريخ صدوره وعلى مدير البلدية انجاز الاجراءات اللازمة للتنفيذ)) ومن ثم ووفقا للتفسير القانوني السليم للمرسوم الصادر من سمو الحاكم والقرار التنظيمي الصادر من رئيس بلدية دبي سالفي الذكر محمولين على نص المادة 1135 من قانون المعاملات المدنية، انه ولئن خول لبلدية دبي نزع الملكية للمنفعة العامة للأراضي المتأثرة بمشروع التخطيط العام في الحالات المبينة بالمرسوم المشار اليه، او لأي غرض آخر تقتضيه المصلحة العامة، ووضع القرار التنظيمي القواعد المنظمة لذلك الاجراء الاستئثنائي، الا ان المرسوم المشار اليه وكذا القرار التنظيمي، قد خليا مما يدل على ان تقدير لجنة التعويضات ببلدية دبي بتعويض صاحب الارض المتاثره المنزوعة ملكيتها يكون بموجب قرارات نهائية منها، وان التظلم من هذه القرارات لا يكون الا امام دائرة البلدية وحدها، او ان القرار الصادر في التظلم يكون بدوره نهائيا غير قابل للطعن فيه بأية طريق، وكان ما اعتصمت به الهيئة بموجب المرسوم والقرار التنظيمي سالفي الذكر لا يصادف محلا مما ورد بهما، وجاء قولا مرسلا بدون دليل يؤيده من الواقع او القانون، ولا يحول دون اختصاص المحاكم بنظر تلك المنازعات باعتبارها صاحبة الولاية العامة بنظرها. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ورفض الدفع المبدى من الطاعنة واقام قضاءه على ما اورده بمدوناته من ان ((قرار نزع الملكية ما هو الاقرار اداري يجوز الطعن عليه امام القضاء خاصة وان القانون او المرسوم الذي صدر بموجبه ذلك القرار لم يمنع صراحة الطرف المتضرر من اللجوء الى القضاء لحماية ما يدعيه من حق بشأنه)) ومن ثم فإنه يكون قد صادف صحيح القانون، ويضحى النعى بما سلف على غير اساس.
وحيث ان الطاعنة تنعى بالسبب الاول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك ان دفاعها قد جرى امام محكمة الموضوع بأن المطعون ضدهما قد رفضتا تسليم الارض والمنشآت، وانهما ظلتا حائزتين ومسيطرتين على العقار، وذلك حسبما افاد بذلك قسم التعويضات ببلدية دبي، وبالتالي فإنه لم تتحقق لهما اية اضرار واقعة بصورة فعلية حتى يمكن المطالبة بالتعويض عنها، دون ان ينال من ذلك ما جرى عليه دفاعهما من انقطاع المياه والكهرباء عن العقار المنزوع وما قد يترتب على ذلك من الحيلولة دون الآنتفاع به، طالما وان البين ان المياه والكهرباء لم تنقطعا عن العقار حتى الآن، وتبعا لذلك دفعت الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الاوان، تأسيسا على ان الضرر لا يتحقق الى بوقوعه وتأثر المتضررين منه ماديا او معنويا، واذ رفض الحكم المطعون فيه هذا الدفع، ومن ثم فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث ان هذا النعي غير سديد. ذلك ان النص في المادة 1133/1.2 من قانون المعاملات المدنية على ان (( حق الملكية هو سلطة المالك في ان يتصرف في ملكه تصرفا مطلقا عينا ومنفعة واستغلالا. ولمالك الشىء وحده ان ينتفع بالعين المملوكه وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة شرعا)) وفي المادة 1135 من ذات القانون على انه (لا ينزع ملك احد بلا سبب شرعي ويكون نزع الملكية للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل وطبقا لأحكام القانون)) يدل – وعلى ما قررته المذكرة الايضاحية للنص الاخير من ((اانه لا يجوز نزع ملكية احد بلا سبب شرعي وبأن نزع الملكية للمنفعة العامة يكون مقابل تعويض عادل وفقا لاحكام القانون، والمفروض ان يراعى في تقديره ليس فقط قيمة الشىء الذي نزعت ملكيته وانما يراعى ايضا تعويض من نزعت ملكيته عما فاته من كسب واصابه من ضرر وان حكم هذا النص يتفق عاما مع احكام الفقه الاسلامي، فقد نصت المادة 97 من مجله الاحكام العدلية على انه لا يجوز لأحد ان يأخذ مال احد بلا سبب شرعي) والمادة 1216 على انه (لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطات ويلحق بالطريق لكن لا يؤخذ من يده ما لم يؤد له الثمن)، ونصت المادة 162 من المرشد على انه (لا ينزع ملك احد من يده بغير حق شرعي، ونصت المادة 165 منه على انه (اذا اقتضت المصلحة العامة اخذ ملك لتوسيع طريق العامة يؤخذ بقيمته لكن لا يؤخذ من يد صاحبه ما لم يؤد له ثمنه مقدرا بمعرفة من يوثق بعدالته من اهل الخبرة)) ومؤدى ذلك ان قرار نزع الملكية للمنفعة العامة الصادر من الجهة الادارية لا ينهض بذاته بأخذ العقار من يد مالكه مالم يقتضي التعويض العادل المقابل لذلك عن طريق اهل الخبرة الموثوق بعدالتهم، وبالتالي يكون لصاحب الشأن المنزوع ملكية ارضه ان يلجأ للمحكمة وصولا الى اقتضاء هذا التعويض.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رفض الدفع المبدي من الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الاوان اعتصاما منها بأن المطعون ضدهما لم يقوما بتسليمها الارض والمبنى المنزوعة ملكيتهما، واقام قضاءه على ما اورده بمدوناته من ان ((الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الاوان دفع غير سديد، ذلك ان النص في المادة 1135/2 من قانون المعاملات المدنية على ان نزع الملكية للمنفعة العامة يكون مقابل تعويض عادل وطبقا للقانون وقد ورد بالمذكرة الايضاحية للقانون المذكور ان حكم هذه المادة تتفق تماما مع احكام الفقه الاسلامي واوردت نص المادة 1216 من مجلة الاحكام العدلية (لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطات يلحق بالطريق ولكن لا يؤخذ من يده ما لم يؤد له الثمن) مما مفاده ان من حق المالك الاحتفاظ بملكه حتى ينال التعويض العادل، ولما كان الثابت من الاوراق ان المستأنفة ما زالت تمانع في منح التعويض المناسب للمدعيتين الامر الذي اضطرهما للتظلم اداريا ومن ثم اللجوء الى القضاء مما يعني انهن لا يمانعن في تسليم العقار المنزوعة ملكيته ولكن تطلبان التعويض المناسب وبالتالي عدم الاستلام الفعلي للعقار من البلدية لا يحول بينهما وبين اقامة الدعوى موضوع الحكم المستأنف)) ومن ثم فإنه يكون قد صادف صحيح القانون، ويضحى النعي على قضائه بما سلف على غير اساس.
وحيث ان الطاعنة تنعى بالسببين الثاني والرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب و الفساد في الاستدلال، وحاصلهما ان دفاعها قد جرى امام محكمة الموضوع بأن ارض النزاع المتأثرة نظرا لضاله مساحتها (454 قدم اي 40م) بالنسبة للأراضي الآخرى المتأثرة في اماكن آخرى، كما انها لا تصلح لأي غرض سكني او تجاري وفقا لمعايير البناء الحديثة وبالتالي اذا ما تقرر هدمها فإنه يصعب ترخيصها لأي نشاط، وان المطعون ضدهما كانتا تعلمان وقت شراء الارض بأنها متأثرة بالكامل بمشروع تخطيط البلدية، وذلك وفقا للمستندات المقدمة من الطاعنة امام محكمة لموضوع، وان سعر الاراضي المتأثره مما يختلف عن سعرها وهي غير ذلك، وهو ما حجبته الطاعنتان عن المحكمة في الشهادات المقدمة منهما بتثمين الارض والمنشآت، ولما كانت مساحة الارض، وغرض الاستفادة منها وموقعها هي من ضمن العناصر التي تقدر على اساسها ثمن تلك الارض المتأثره، وتبعا لذلك وفي ضوء هذه العناصر قامت لجنة التثمين للاراضي المتأثره – وهي لجان معتمدة وذات خبره طويله – بتقدير التعويض المناسب بمبلغ 72587 درهما بتاريخ 15-12-2004 للمنشآت وبمبلغ 681000 درهم للأرض ذاتها، ليضحى اجمالي مبلغ التعويض المقدر 753587 درهما، وقد تحرر شيك للمطعون ضدهما بتلك القيمة، بيد انهما رفضتا استلامه، وقدمتا تظلما من هذا التقدير امام لجنة التثمين، حيث قامت اللجنة بتقدير التعويض بتاريخ 20-6-2006- اي بعد سنتين بثمن اجمالي قدره 980587 درهما للأرض والمنشآت معا وفقا لقيمة الارض وقت اعادة النظر وليس وفقا لقيمتها وقت التأثر، بيد انهما رفضتا هذا التقدير واقامتا دعواهما الماثلة بمقوله انهما اشتريتا الارض والمنشآت بمبلغ 3.200.000 درهم، هذا رغم ان السعر المكتوب في سند الملكية عادة يكون نتيجة اخبار من المشترى دون تحقيق من دائرة التسجيل العقاري، وقد يلجأ المشترى الى زيادته او نقصانه بحسب مصلحته عند التعامل مع البنوك او للتهرب من رسوم زائدة، كما احتفظتا بالارض والمنشآت وامتنعتا عن تنفيذ امر الطاعنة بوصفها سلطة تنفيذية بما اضر بها اشد الضرر، واذ لم يأبه الحكم المطعون فيه لدفاع الطاعنة الجوهري سالف الذكر وعول على ما انتهى اليه تقرير الخبير المنتدب في الدعوى، رغم ان الطاعنة قد اعترضت على هذا التقرير حسبما ورد في مذكرتها المؤرخة في 2-7-2007 من انه قد اخطأ في بيان تاريخ نزع الملكية، وتحقق زعم المطعون ضدهما في حرمانهما من استثمار البناية في المدة من 1-9-2005، وقدمت المستندات المؤيدة لهذا الدفاع في حافظة المستندات المقدمة منها امام محكمة اول درجة بتاريخ 17-1-2008 والتي جاء بها انه بتاريخ 14-1-2006 وجهت الطاعنة كتابها الى هيئة الكهرباء والمياه بدبي بطلب قطع الخدمات عن المبنى حتى يتسنى لها هدمه والاستفادة من الارض المقامة عليها بعد رفض المطعون ضدهما تسليم النيابة لها، وان الهيئة قد ردت عليها بتاريخ 1-3-2006 بأنها لم تتمكن من قطع الخدمات لعدم السماح لموظفيها بالدخول لتلك المنازل، بما يجزم بأن المطعون ضدهما ظلا ينتفعان بالعقار حتى الآن، وانهما رفضتا تسليمه للطاعنة حتى الآن، دون ان يؤثر في ذلك ما اثبته الخبير بأنه وجد المكان مغلقا او مقفولا، اذ كان ذلك من فعل المطعون ضدهما بعد ان علمتا بأن الخبير سينتقل للمعاينة، حتى لا يكتشف الخبير بأن العقار يعمل بصورة طبيعية حتى الآن، سيما وان الرخصة التجارية ولاستغلال البناية والمقدمة في الاوراق جاء بها انها سارية حتى 15-6-2006 كما استمرت بعد ذلك، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث ان هذا النعي في جملته مردود، ذلك انه من المقرر وفق ما تقضى به المادة 1135 من قانون المعاملات المدنية والمذكرة الايضاحية للنص المذكور، بأن نزع الملكية للمنفعة العامة انما يقابله تعويض عادل طبقا لاحكام القانون، وانه يراعى في تقدير هذا التعويض ليس فقط قيمة الشىء الذي نزعت ملكيته وانما يراعى ايضا تعويض من نزعت ملكيته عما اصابه من ضرر وفاته من كسب، وان تقدير هذا التعويض يكون بمعرفة من يوثق بعدالته من اهل الخبرة.
ومن المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير فهم الواقع في الدعوى وتقدير الادلة والقرائن والمستندات المقدمة فيها تقديما صحيحا، وفي تقدير عمل اهل الخبرة في الدعوى والاخذ بما تطمئن اليه منها لسلامة الاسس التي اقيمت عليها، وطرح ما عداها، متى اقامت قضاءها على اسباب سائغة لها اصلها الثابت في الاوراق وكافية لحمل قضائها. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي قد انتهى الى تعويض المطعون ضدهما واقام قضاءه على ما اورده بمدوناته من ان ((الخبير المنتدب وهو من خبراء دائرة الاراضي والاملاك التابعة لحكومة دبي قد عاين العقار المنزوع ملكيته واثبت في نتيجة تقريره ان العقار مغلق منذ عدة سنوات رغم انه يقع بمنطقة تجارية حيوية، بما مفاده ان المدعى عليها قد قطعت عنه الخدمات من كهرباء وماء واتصالات تمهيدا لاستلامه لتخصيصه للمنفعة كما اثبت في تقريره ان المدعيتين لم تستلما مبلغ التعويض المقرر من البلدية حتى الآن وبعد وصفه للعقار وموقعه والمباني المقامة عليه انتهى الى تقدير ثمن العقار بمبلغ ثلاثة مليون درهم في تاريخ صدور قرار الهدم والازالة وقطع الخدمات في 1-9-2005، كما اثبت الخبير في تقريره ان القيمة الايجارية للعقار قبل اخلائه من المستأجر كانت 25000 درهم سنويا اي بواقع 20833 درهما شهريا، واثبت الخبير في تقريره ايضا ان اللجنة الاولى لم تكن موفقة في تقدير قيمة العقار بمبلغ 753587 درهما وان اللجنة التي شكلت للنظر في اعتراضات المدعيتان قدرت التعويض بمبلغ 980587 درهما دون بيان الاساس في التقدير وان كلا التقديرين يقل عن القيمة الحقيقية للعقار، واية ذلك ان لجنة التثمين التابعة لدائرة الاراضي والاملاك قدرت قيمته بمبلغ 2.500.000 درهم لما كان ذلك وكانت المحكمة تطمئن الى نتيجة تقرير الخبير بما لها من سلطة فهم الواقع وتقدير الادلة في الدعوى، سيما وان ثمن شراء المدعيان للعقار – 3.200.000 درهم طبقا للثابت بسند الملكية، والمحكمة لا تلقى بالا لدفاع المدعى عليها بشأن مغالاه اطراف العقد في اثبات ذلك لأن قولها مرسلا لم تؤيده بسند ولم تقدم دليل على صورية الثمن المثبت بعقد البيع سند ملكية المدعيتان...ولما كانت بلدية دبي قد قطعت المرافق الحيوية عن المبنى وانذرت المستأجر بالاخلاء واصبح العقار معطلا عن الاستغلال منذ 1-9-2005 دون الوفاء بقيمة التعويضات العادلة للمدعيتين، ولما كان التعويض بلفظه المطلق يشمل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب ولا شك ان عدم الوفاء بالتعويض مع عرقله الآنتفاع بالمبنى وتركه قائما دون ازالة هو تفويت لمنفعه المدعيتان بأحد البدلين ولم تقدم المدعى عليها ما يفيد ايداع التعويض لصالح المدعيتان بعد عرضه عرضا قانونيا ومن ثم تقدر المحكمة مبلغ 20833 درهم شهريا مقابل الكسب الفائت من 1-9-2005 ولمدة 31 شهر 608234 = 31×20833 درهما حتى تاريخ اصدار هذا الحكم ليصبح التعويض المستحق للمدعيتين 3.645.823 درهما)) وكان الحكم المطعون فيه قد ايد الحكم الابتدائي لاسبابه واضاف اليها قوله ((ان الحكم المستأنف قد اخذ بتقرير الخبرة ووضع في اعتباره الكسب الفائت للفترة من 1-9-2005 حتى تاريخ اصدار الحكم ومن ثم قضى بالتعويض وكانت اسبابه سائغة وتكفى لحمله وتؤدي الى النتيجة التي انتهى اليها ولا تنال منها اسباب الاستئناف المقدم من المدعيتين والتي انصبت جميعها قدحا في تقرير الخبرة واسس تقدير التعويض...وان نعى بلدية دبي غير سديد..لأن الغرض من النزع هو كما اقرت المستأنفة نفسها لإغراض توسعه خدمات المسجد المجاور وبالتالي لا يجوز التذرع بمقوله انه اذا تم هدم البناية فمن الصعب بمكان ترخيصها لأي نشاط في المستقبل لأنه احتمال غير وارد اصلا، كما لا ينال من الحكم الدفع بعلم المستأنفتين (المدعيتان) وقت شراء القطعة انها متأثرة اذ الواقع يوضح بأن البيع قد تم تسجيله لدى الجهات المختصة بالاراضي وكانت البناية مستغلة بالفعل من جانب المدعيتان وتدر لهما دخلا مناسبا انقطع عنهما نتيجة قرار النزاع الصادر من المستأنفة (المدعى عليها) مما يشكل اساسا قانونيا للمطالبة بالتعويض المناسب)) واذ كان هذا الذي خلصت اليه محكمة الموضوع – في حدود سلطتها الموضوعية – سائغا وله اصله الثابت بالاوراق، ولا مخالفة فيه للقانون، وكافيا لحمل قضائها في هذا الخصوص، ويتضمن الرد المسقط لكل حجج الطاعنة اوجه دفاعها الوارده في سببي النعي المطروحين، ومن ثم فإن النعي بما سلف يكون على غير اساس.
وحيث انه ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

* * *