طعن رقم 524 لسنة 18 القضائية
صادر بتاريخ 1997/06/24 (مدني)
هيئة المحكمة: الرئيس عبد العزيز فوده والمستشاران محمد عبد القادر السلطي ود. أحمد المصطفى أبشر.
1- ماهية شركة المضاربة.
2- الاثر المترتب على عدم اتفاق الطرفين في عقد المضاربة على نسبة محدّدة من الربح.
3- جواز تعدّد أصحاب المال في شركة المضاربة أو كيان المضارب شخصاً معنوياً.
4- سلطة محكمة الموضوع في استظهار القصد المشترك للمتعاقدين لتكييف العقود واعطائها الأوصاف القانونية بناءً على أسانيد وشواهد فمن غير الجائز العودة الى مناقشة ذلك القصد أمام محكمة النقض بعد تطبيق صحيح القانون عليه.
5- أسباب بناء الحكم المطعون فيه قضاؤه باعتبار العقد موضوع النزاع من عقود المضاربة لا عقد استثمار أموال.
6- سلطة محكمة الموضوع في الأخذ بتقرير الخبير المنتدب دون التزامها بالردّ استقلالاً على الطعون الموجهة اليه.
7- عدم جواز مجادلة محكمة الموضوع في أخذها بتقرير الخبير ضمن حدود سلطتها التقديرية أمام محكمة النقض.
المحكمة،
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة.
حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث ان الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 42 لسنة 1992 مدني كلي أبوظبي بطلب ندب خبير حسابي لاجراء المحاسبة ومراجعة دفاتر وسجلات المؤسسة العامة للكمبيوتر والالكترونيات لبيان حقوق والتزامات الطرفين فيها والحكم على الطاعن بما تسفر عنه المحاسبة. وقال شرحاً لها بأنه مستثمر الرخصة العائدة للمؤسسة العامة للكمبيوتر والالكترونيات بموجب وكالة عامة له من صاحبها، ومن أغراضها تجارة واستيراد وتصدير الأجهزة الالكترونية وعمل البرامج الخاصة لأجهزة الكمبيوتر لحسابها ولحساب الغير مقابل أجر يمثل نسبة من الأرباح التي تحققها هذه الأغراض. أبدى الطاعن رغبته في الاستفادة من الأعمال التي تقوم بها المؤسسة المذكورة ومن خبرة المطعون ضده في ذلك المجال بأن أعطى المطعون ضده مبلغاً مقداره 170.000 درهم لاستثماره، في أعمال المؤسسة مقابل حصة من الأرباح تصرف له شهرياً بموجب عقد شراكة محرر في 3/5/1988. حصل الطاعن من المطعون ضده بطريق الضغط والاكراه على مبالغ نقدية وشيكات تفوق استحقاقاته وتبين له بعد اجراء المحاسبة ومراجعة الدفاتر والأوراق أن الطاعن استلم مبلغ 223.430 درهما دون وجه حق بالاضافة الى شيك بمبلغ 20.000 درهم واتضح فيما بعد أن وضع الشركة المالي وأرباحها لا تغطي هذه الدفعات ولامتناع الطاعن عن اجراء المحاسبة كانت المنازعة والدعوى. ندبت محكمة أول درجة خبيراً حسابياً وبعد أن أودع تقريره قضت برفض الدعوى واذ استأنف المطعون ضده برقم 881 لسنة 1994 أعادت محكمة الاستئناف المأمورية الى خبير محكمة أول درجة لتحقيق اعترافات الطرفين وتناولت في حكمها التمهيدي 24/5/1995 الصادر في هذا الخصوص تكييف العقد 3/5/1988 بأنه عقد من عقود المضاربة وبعد أن قدم تقريرين في 31/12/1995 و20/4/1996 قضت محكمة الاستئناف بالغاء الحكم المستأنف وألزمت الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضده مبلغ 19.890 درهماً وبالغاء الشيك المحرر للأول رقم 143474، ومن ثم كان الطعن المطروح.
وحيث ان الطعن أقيم على سببين ينعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني منهما. مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول، ان محكمة الاستئناف ذهبت فيه الى أن العقد المبرم بين طرفي النزاع في 3/5/1988 من عقود المضاربة، حالة أن شروطها لا تنطبق عليه انما هو عقد استثمار، ففي البند السابع من العقد جرى تخصيص 50% من الربح للطرف الأول المضارب نظير الادارة و50% الأخرى توزع بين المؤسسين والمستثمرين بنسبة نصيب كل منهم في رأس المال والمبالغ المودعة بما يعني أن للمضارب نسبة من الربح ولا يأخذ أجراً عن عمله، كما أن العقد لم يحدد قيمة رأس المال الخاص بالمضارب ولا رأس مال الشركة قبل دخول الطرف الثاني (الطاعن) فيها وما جاء بالمادة الثامنة بأن تصرف الأرباح والتي لا تقل نسبتها بأي حال عن 10% شهرياً يعتبر مخالفاً لشروط صحة عقد المضاربة إعمالاً لنص المادة 694/5 من قانون المعاملات المدنية مما يكون الحكم قد خالفها وخالف أحكام الشريعة الاسلامية كما أن الحكم التمهيدي 24/5/1995 لم يتعرض لتكييف العقد.
وحيث ان النعي غير سديد، ذلك لأن شركة المضاربة عقد يتفق بمقتضاه أحد طرفيه على تقديم رأس المال، والمضارب بالسعي والعمل ابتغاء الربح، فلا يشترط في المضارب تقديم المال وانما القيام بالسعي والعمل لقاء نسبة من الربح جزءاً معلوماً وشائعاً، ولا يجوز أن يكون مقطوع المقدار،
واذا لم يتفق الطرفان على نسبة محددة في العقد كان الربح بينهما نصفين ما لم يجر العرف بغير ذلك،
ولم يمنع القانون أن يكون المضارب شخصية معنوية أو تعدد أصحاب المال مع المضارب.
ومن المقرر أن المناط في تكييف العقود واعطائها الأوصاف القانونية هو القصد المشترك الذي انصرفت اليه نية العاقدين وقت ابرام الاتفاق، ويكون التعرف على هذا القصد من سلطة محكمة الموضوع فإذا ما استظهرته واستدلت عليه بأسانيد وشواهد تؤدي اليه ثم طبقت عليه القانون صحيحاً فإنه لا يجوز العودة الى مناقشة ذلك القصد أمام محكمة النقض ابتغاء الوصول الى اسناد خطأ للحكم في تكييف العقد.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن العقد 3/5/1988 هو من عقود المضاربة للأسباب الواردة في الحكم التمهيدي 24/5/1995 وكان الأخير يقوم على أن "المحكمة ترى من نصوص الاتفاق المؤرخ 3/5/1988 وعباراته الواضحة أنه عقد من عقود المضاربة التي تحكمها نصوص المواد 693 الى 703 من قانون المعاملات وليس بعقد استثمار أموال، لأن الثابت أن المستأنف ضده (رب المال) أعطى المستأنف (المضارب) مبلغ 170.000 درهم وأوكله بالتصرف فيها بتحقيق الأغراض المبينة بهذا الاتفاق وحدد الالتزامات المتبادلة بينهما وحقوق كل طرف وكيفية توزيع الأرباح بينهما وأن يتحمل رب المال الخسائر التي تلحق في حدود المبلغ المدفوع منه دون أن يتعداه. كما تحدث البندان سابعاً وثامناً عن الأرباح وتوزيعها بحيث يكون للطرف الأول نسبة 50% نظير الادارة ونسبة 50% الأخرى بين المؤسسين والمستثمرين بنسبة كل منهم في رأس المال والمبالغ المودعة بحيث لا تقل نسبتها بأي حال عن 1% شهرياً بالنسبة للطاعن". واذا كان البين على ما تقدم_ ان الحكم المطعون فيه قد حصل الواقع. الذي تلاقت عليه ارادة العاقدين في العقد تحصيلاً سائغاً ورده الى ما تضمنه من عبارات صريحة تضفي عليه وصف عقد المضاربة، وتنفي عنه وصف عقد استثمار أموال ثم كيف العقد تكييفه الصحيح بأنه من عقود المضاربة أعطى الطاعن فيه للمطعون ضده مبلغاً من المال وأوكله التصرف فيه لتحقيق الأغراض المبينة في الاتفاق باجراء كل أنواع التصرف لحسابه ولمصلحته سواء بالبيع أو الشراء للأجهزة الالكترونية أو مكوناتها وخلافه لقاء نسبة من الأرباح محددة، ولا ينال من ذلك ما ورد بسبب الطعن عن هذا التكييف، إذ لا يشترط تحديد رأس مال خاص بالمضارب لأن اشتراكه انما يكون بالعمل والسعي، وأما عن رأس مال المؤسسة فلا شك أن صاحب المال المستثمر كان على علم بتحديده وهو ما أفصح عنه خبير الدعوى في مجال اختصاصه الفني بأن العرف يجري احتسابه مساوياً للمال المقدم للاستثمار وأجرى على ذلك العملية الحسابية باشراكه مع مال المستثمرين في نسبة الـ 50% من الأرباح والخسائر ولم يكن ذلك محل نعي من الطاعن، كما أن ما أورده العقد بخصوص صرف الأرباح ومن أنه لا يقل نسبتها بأي حال عن 1% شهرياً في خلال الشهر التالي انما يتعلق في اجراءات صرف الأرباح وليس بتحديدها. وهو أمر لا يخالف شروط المضاربة. لما كان ذلك وإذ أصاب الحكم فيما انتهى اليه من ذلك فإنه من ثم يتعين رفض النعي على الحكم بهذا السبب.
وحيث ان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول من أسباب الطعن، القصور في التسبيب والخطأ في الاستنتاج ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك يقول، ان الحكم اعتد بتقرير خبير الدعوى رغم عيوبه الكثيرة التي تمسك بها الطاعن أمام محكمة الموضوع بسبب عدم احتسابه بضاعة آخر المدة، وكانت ردود الخبير بخصوص هذه المسألة مشوبة بالتناقض. كما اعترض الطاعن على التقرير بالخطأ حينما قام بتوزيع الخسائر على أموال المستثمرين والبالغة 327.000 درهم بدلا من توزيعها على مجموع مال المستثمرين والمؤسسين المبالغ 654.000 درهم بفرض تساوي رأسماليهما، وقد أخذت محكمة الاستئناف به دون الالتفاف الى اعتراضات الطاعن، ولم تفطن الى التناقضات الواردة في التقرير. أما بخصوص أرباح الفترة من 1/90-4/90 (6800 درهم) فقد ألزم التقرير ومن بعده الحكم باعادة المبلغ المشار اليه الى المطعون ضده، رغم أن الطاعن أوضح بأن ليس من حق المطعون ضده استرداده سنداً للبند رقم 5 من العقد ذلك لأن المطعون ضده تنفيذاً له قام بتسليم المبلغ المذكور للطاعن على أنه يمثل أرباح الفترة من 1/1/1990 الى 30/4/1990 وقد أبرأ كل من الطرفين ذمة الآخر عن أعمال الوكالة المنفذة حتى هذا التاريخ وبذلك لا يعتبر الطاعن مسئولاً عن أعمال المؤسسة خلال الفترة المذكورة، الا أن الخبير رد على اعتراض الطاعن بما سلف بأن البند "5" المشار اليه يطبق في حالة تحقق الربح أما في حالة الخسارة لا يمكن تطبيقه وبذلك يكون الخبير قد تطرق لمسألة قانونية تخرج عن نطاق مهمته الفنية. وأما موضوع الشيك رقم 143474 فقد افاد الطاعن بأن هذا الشيك حرر له من المطعون ضده وبمحض ارادته وبناء على اتفاقهما. وعليه يكون الخبير قد بنى تقريره أخذا بأقوال المطعون ضده وعلى افتراضات خاطئة بالنسبة لموضوع الخسائر ومقدار رأسمال المؤسسين والمستثمرين ومتجاهلا اعتراض الطاعن بأن المطعون ضده لم يقم بجرد فعلي لبضاعة آخر المدة وافتراض الخبير قيمتها صفراً وانتهى الى تحديد الخسائر نتيجة هذا الافتراض وتحميلها للطاعن على مجرد الافتراض كما تجاهل تحديد مقدار رأسمال المستثمرين ورأسمال المؤسسين وجاء تفسيره للبندين 5 و7 من الاتفاقية خاطئاً وتحاشى اية اشارة لما ورد في دفاتر وحسابات المؤسسة فيما يتعلق بمقدار رأسمال المؤسسين ورأسمال المستثمرين. وإذ لم تعبأ المحكمة بتلك الاعتراضات رغم أهميتها وتأثيرها في نتائج التقرير الأمر الذي يجعل التقرير معيباً بالخطأ في ايراد الوقائع وبالقصور في عدم تحقيق الاعتراضات، وبالتالي يكون الحكم الذي اعتد به معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث ان هذا النعي مردود، ذلك لأنه من المقرر أنه اذا رأت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير الذي ندبته في الدعوى محمولاً على أسبابه، فإنها لا تكون ملزمة بالرد استقلالاً على الطعون الموجهة الى ذلك التقرير لأن في أخذها به ما يفيد أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنه،
والمجادلة في ذلك مما يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل وهو ما لا يجوز اثارته أمام محكمة النقض،
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه بتصفية الحساب بين الطرفين "على ما خلص اليه تقرير الخبرة التكميلي 30/12/1995 انه حمل المال المستثمر، نصيبه من الخسائر البالغة 25.208.23 درهما بواقع 50% من هذا المبلغ فقط باعتبار ان رأس مال المؤسسة يتحمل النصف الآخر المتساوي معه في القيمة، ولذلك فلا صحة لما أثاره الطاعن بسبب الطعن من أن الخسارة تحملها رأس المال المستثمر فقط دون رأس مال المؤسسة. وأما عما ورد بباقي سبب النعي فقد تبنى الحكم المطعون فيه تقرير الخبرة التكميلي، 20/4/1996. والذي أخذ به لذات أسبابه. وكان يبين من الرجوع الى هذا التقرير أنه رد على كافة طعون واعتراضات الطاعن بقوله انه «حتى يتم الوصول الى حقيقة الأرباح والخسائر فلا بد من توافر معلومات أساسية منها قيمة بضاعة آخر المدة، الا أنه نظراً لعدم توفر هذه المعلومة ولعدم تسجيل جرد فعلي عن اقفال المؤسسة لنشوب حرب الخليج ولعدم وجود الدليل على عكس كلام المطعون ضده فقد أغفل احتساب قيمة بضاعة أول المدة في نظير عدم وجود قيمة بضاعة آخر المدة وذلك صحيح محاسبياً في ضوء ما توفر من معلومات ومستندات وقيد للمشتريات والمبيعات الشهرية وفق المعادلة التالية – مجمل الربح (أو الخسارة) = المبيعات + تكلفة المبيعات = المبيعات – (بضاعة أول المدة + المشتريات – بضاعة آخر المدة) وصافي الربح (أو الخسارة) = مجمل الربح (أو الخسارة) – المصروفات العمومية والادارية. وقد تم تطبيق المعادلتين في الجدول رقم 1 الذي يمثل قائمة الدخل عن الفترة من 1/1/1990 وحتى 30/9/1990. كما قام بتقسيم الخسائر التي منيت بها المؤسسة عن تلك الفترة المحاسبية على رأس المال المستثمر خلال نفس الفترة. سواء أكان رأس المال هذا من المؤسسين أو من المستثمرين. وفي حالة الخسارة فإنها تصيب رأس المال وليس الادارة مقابل عملها. اما بخصوص مبلغ 6800 درهم فقد ورد في التقرير أنه كان الطاعن قد استلمه على أنه يمثل أرباح شهور يناير لسنة 1990 حتى ابريل 1990 الا أنه بعد أن تبين عدم تحقق ارباح خلال تلك الفترة فلا بد من رده، وأضاف الحكم "بأن الطاعن أقر باستلامه مبلغ 6800 عن أرباح شهور يناير لسنة 1990 حتى ابريل 1990 فإنه يكون ملتزماً باعادة المبلغ الى المطعون ضده لعدم وجود ما يبرر قبضه بعد ثبوت خسارة المؤسسة خلال تلك الفترة عملاً بالمادة 704/1 من قانون المعاملات المدنية والتي تفيد تحمل رب المال الخسارة وحده ويبطل أي شرط يخالف ذلك. أما بخصوص الشيك رقم 133474 بمبلغ 20.000 درهم والذي تمسك المطعون ضده بالمطالبة به في صحيفة الدعوى وكل المراحل اللاحقة فالواقع أنه لم يدخل في ذمة الطاعن المالية حيث تم ايقاف صرفه بواسطة محكمة أول درجة مقابل خطاب ضمان مقدم من المطعون ضده على بنك دبي الاسلامي واستبدل خطاب الضمان بأمر من المحكمة بشيك بديل قدمه المطعون ضده برقم 787649 فإن المحكمة تأمر بالغاء الشيك 143474 واستبعاد قيمته من طلبات المطعون ضده". واذ كانت هذه الأسباب سائغة وتتضمن الرد الكافي على ما يثيره الطاعن، وتؤدي الى النتيجة التي انتهى اليها الحكم، فإن تعييبه بكل ما ورد في هذا السبب غير سديد.
وحيث انه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

* * *