طعن رقم 430 و471
صادر بتاريخ 21/12/2011 (مدني)
هيئة المحكمة: الرئيس عبدالعزيز محمد عبد العزيز والمستشاران د. احمد المصطفى ابشر ومصطفى الطيب حبورة.
1 - مفهوم إلتزام الطبيب بمهنة الطب.
2 - مسؤولية الطبيب عن كل انحراف عن اداء موجبه او تقصير في مسلكه الطبي بشكل غير مقبول من اهل المهنة اليقظين وعن تداخل الخطأ وارتباطه بالضرر اللاحق بالمريض ارتباط السبب بالمسبب.
3 - صلاحية محكمة الموضوع في تقدير القيام بالواجب المناط بالطبيب بالدرجة المطلوبة من عدمه ومدى توافر الخطأ الموجب للمسؤولية والضرر الناجم عنه وعلاقة السببية بينهما في اوراق الدعوى.
4 - صلاحية محكمة الموضوع في تقدير تقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والموازنة والمفاضلة بينها وترجيح احداها على الاخرى.
5 - لمحكمة الموضوع الاخذ بتقرير الخبرة المعتد به محمولا على اسبابه عند اطمئنانها الى صحة القواعد المقام عليها دون التزامها بالرد على الاعتراضات الموجّهة اليه.
6 - حالة تحقق مسؤولية المدين المتعاقد كالمقاول والطبيب عن خطأ الغير.
7 - إعتبار الجدل حول مدى وجود تقصير او خطأ من جانب الطبيب الجراح مسبباً بذلك الى تفاقم حالة المريض جدلا موضوعياً من غير الجائز إثارته امام المحكمة العليا.
8 - حالات توفر سلطة المحكمة في القضاء بالتضامن او التكافل سواء كون الخطأ عقدياً او تقصيرياً.
9 - عدم قبول النعي على الحكم لتطبيقه صحة القانون لقضائه بالزام الطاعنين بالتضامن مع المطعون ضدهما بأداء التعويض بعد ثبوت وجود خطأ طبي من واقع تقرير اللجنة الطبية.
10 - تحديد عناصر الضرر ومقدار التعويض الجابر له وفقاً لقواعد الشريعة الاسلامية.
11 - كيفية احتساب التعويض وفقاً للشريعة الاسلامية عن الجروح والاصابات.
12 - موجب المحكمة في تقديرها للتعويض تبيان عناصر الضرر الداخل في حساب التعويض باعتباره من قبيل التكييف القانوني للواقع المهيمنة على محكمة النقض بتعويض اجمالي لما هو غير مستحق عنه الدية او الارش المقدر.
13 - صحة الحكم المطعون فيه بالتعويض عن كافة الاصابات اللاحقة بالمريض والثابتة بالتقرير الطبي الصادر عن اللجنة الطبية.
المحكمــة
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن في الطعن الأول 430/2011 أقام الدعوى 2366/2006 مدني كلى أبوظبي على المطعون ضدهم الأربع فيه بطلب إحالته إلى مركز الشيخ لإثبات حالته الصحية وتقدير نسبة العجز التي أصيب بها مع الاحتفاظ بحقه في طلب التعويض بعد ورود التقرير. وقال شرحاً لدعواه أنه توجه في ديسمبر 2002 إلى المستشفي المطعون ضدها الأولى لتلقي العلاج من حالة اختناق أثناء النوم وعدم قدرة على التنفس من الأنف بسبب التهاب الجيوب الأنفية، وأن المطعون ضده الثاني والذي يعمل لديها قد أجري الكشف عليه وقرر باحتياجه لعملية جراحية بالمنظار وقام بالفعل بإجرائها إلا أن حالته ازدادت سوءاً حيث بدأ تدفق سائل من الأنف يشبه الماء، وأنه وفي عام 2005 قام المطعون ضده الثالث الذي يعمل لدى المركز المطعون ضده الرابع بإجراء الكشف الطبي عليه وقرر باحتياجه لعملية جراحية بالجيوب الأنفية مع إزالة المزمار واللوزتين للحفاظ على حياته من الاختناق وقام بالفعل بإجراء تلك العملية في 17/4/2005 وبعدها بعشرة أصيب بنزيف دموي ونتج من العملية الثانية أن زاد تدفق السائل من الأنف بكميات أكبر، وفي فبراير 2006 قرر طبيب زائر لمستشفى...... أن ذلك السائل إنما هو السائل المحيط بالمخ وسبب ذلك أن المطعون ضده الثاني حال إجرائه العملية الأولى تسبب في إحداث ثقب في مؤخرة الأنف أفضى إلى التجويف الدماغي وهو مصدر السائل، وأنه تبين أن ما تلقاه من علاج والعملية الثانية التي أجريت له كان جميعه دون سبب ونتيجة تشخيص خاطئ، وأنه وفي 26/6/2006 قرر أطباء متخصصون بمستشفى الشيخ خليفة وجوب إجراء عملية عاجله وتمت العملية وبها تم ترقيع الثقب، فكانت الدعوى. ومحكمة أول درجة ندبت الطبيب الشرعي بوزارة العدل وبعد أن قدم تقريره قضت برفض الدفع بعدم سماع الدعوى لمرور الزمان وبرفضها موضوعاً. استأنف الطاعن في الطعن الأول– المدعي – هذا الحكم بالاستئناف رقم 22/2008 أبوظبي، ومحكمة الاستئناف ندبت لجنة طبية ثلاثية، وبعد أن أودعت اللجنة تقريرها قضت في 8/6/2010 بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بإلزام المطعون ضدهما الأولى والثاني بالتضامن فيما بينهما بأن يوديا للمستأنف مبلغ 76.666 درهماً، وبرفض الدعوى قبل المطعون ضدهما الثالث والرابع. طعن المدعى – الطاعن في الطعن الأول – على هذا الحكم بطريق النقض بالطعن 294/2010 قضى فيه في 12/1/2011 بالنقض والإحالة، ومحكمة الإحالة قضت في 28/6/2011 " بإلغاء الحكم الابتدائي والقضاء مجدداً بإلزام المدعي عليهم بالتضامن بأن يدفعوا للمدعي مبلغاً ومقداره مائة ألف درهم.. "، فكان الطعنان، وإذ عرضا في غرفة مشورة حددت المحكمة جلسة لنظرهما.
أولاً : الطعن 471/2011 ( المرفوع من...... ومركز...... )
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنان بالوجه الأول من السبب الأول وبالسبب الثاني منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق، إذ قضى في عبارة مجملة ومجهله بأن المحكمة تتصدى للدعوى في إطار المسألة القانونية التي حسمتها محكمة النقض، وأن الحكم الناقض يستلزم تعويض المطعون ضده الأول – المدعى – عن الإصابات التي لحقت به الثابتة بالتقرير الطبي الصادر من اللجنة الفنية الثابت به وجود خطأ طبي من كل المستأنف ضدهم – الطاعنان والمطعون ضدها الثاني والثالث -، في حين أن الحكم الناقض لم يقرر بمسئولية الطاعنين بل أحال الدعوى لمحكمة الاستئناف لتحقيق ما هو منسوب للطاعن الأول من إهمال بعدم اكتشافه الثقب في جدار الجمجمة أثناء إجرائه العملية الثانية ولبيان مدى مساهمته في زيادة الأضرار التي لحقت بالمطعون ضده الأول من عدمه لاعتباره مباشراً أو متسبباَ وهو ما لم يحققه المطعون فيه، وفي حين يبين من البينات المقدمة انتفاء كل ذلك في حق الطاعنين، وما تضمنه تقرير اللجنة الذي اعتمده الحكم من أنه كان على الطاعن الأول في مثل حالة المطعون ضده الأول أن يستبعد وجود الإصابة السابقة في الجمجمة أولاً قبل إجراء العملية الثانية بدارسة نتائج صور الأشعة المقطعية بدقة عالية وأنه كان بإمكانية طلب عمل رنين مغناطيسي لا يسنده، ذلك لأن الثابت بالتقرير أن الثقب الذي أدى إلى نزول السائل المائي من قاع الجمجمة نتج عن العملية الأولى التي أجراها المطعون ضده الثالث، وأن شكوى المريض المطعون ضده الأول عندما راجع الطاعنين لم تتضمن شكواه من نزول هذا السائل، ولم تظهر أثناء العملية الثانية التي أجراها الطاعن الأول أي أعراض لتدفق ذلك السائل، ولما هو ثابت من أن إجراء العملية الثانية في 17/4/2005 تم بعد إجراء أشعة مقطعية للمطعون ضده الأول في المستشفي...... بتاريخ 10/3/2005 ولم يشر تقرير الأشعة بوجود أي ثقب في جدار الجمجمة أو الاشتباه في وجوده، كما وخلا تقرير الفحص بالرنين المغناطيسي للدماغ في مركز الخليج التخصصي بتاريخ 21/9/2003 من اشتباه في ذلك، ولم يشر تقرير اللجنة لأي تقنية سواهما وقد تم إجراء العملية الثانية على ضوء هذين التقريرين، وأن ما يؤيد عدم إمكانية اكتشاف الطاعنين لمثل هذا الثقب أن شكوى المريض بنزول السائل من الأنف كانت بعد عام من العملية الثانية وأنه لم يحدث له مراجعة الطاعنين بعد إجراء تلك العملية ولما هو ثابت من أن اللجنة الطبية لم تستطع معرفة حدوث الثقب إلا من خلال تقرير المركز...... الصادر في 30/5/2007 بعد إجراء العملية الثالثة في مستشفى الشيخ خليفة الذي أعاد فيه تقييمه لتقريره السابق المؤرخ 10/3/2005 وورد به احتمال وجود ثقب صغير في قاعدة الجمجمة من أثر العملية الأولى، وحيث أورد ذات تقرير الخبرة أن الطاعن تعامل في العملية الثانية التي أجراها على المسببات المرضية للتشخير ونوبات انقطاع التنفس أثناء النوم وأن ذلك ساعد في تخفيف أعراض الانسداد الأنفي فإنه يكون من ثم قد اتخذ الإجراءات الفنية السليمة بالتعامل مع الحالة المرضية للمطعون ضده الأول ووفقاً لتقارير طبية متخصصة، خلافاً لما انتهي إليه الحكم، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه وإن كان التزام الطبيب قبل المريض ليس التزاماً بتحقيق نتيجة هي شفاؤه وإنما هو التزام ببذل الجهود الصادقة واليقظة وفي غير الظروف الاستثنائية – في سبيل شفائه وبما يتفق مع تقاليد المهنة والأصول العلمية والطبية الثابتة،
فيسأل الطبيب عن كل انحراف عن أداء هذا الواجب أو تقصير في مسلكه الطبي مما لا يقبله أهل المهنة اليقظين ممن يفترض أن يكون هو في مستواهم وفي نفس الظروف الخارجية التي أحاطت به وما دام هذا الخطأ قد تداخل بما يؤدى إلى ارتباطه بالضرر الذي لحق بالمريض ارتباط السبب بالمسبب،
وتقدير القيام بالواجب المناط بالطبيب بالدرجة المطلوبة من عدمه وفقا لهذه المعايير وصولاً لمدى توافر الخطأ الموجب للمسئولية وما نجم عنه من ضرر وعلاقة السببية بينهما من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها معينها في أوراق الدعوى،
ولها تقدير تقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والموازنة والمفاضلة بينها وترجيح إحداها على الأخرى على أن تبين الأسباب التي حدت بها إلى ذلك الترجيح وبخاصة إذا كان الترجيح يتعلق بمسائل علمية أو فنية تعارضت تلك التقارير بشأنها،
كما ولها الأخذ بتقرير الخبرة الذي اعتدت به محمولاً على أسبابه متى اطمأنت إلى صحة القواعد التي أقيم عليها وهى غير ملزمة بالرد على الاعتراضات الموجهة إليه لأن في أخذها به محمولاً على تلك الأسباب ما يفيد أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستأهل الرد عليها بأكثر مما تضمنه التقرير،
كما أن مسئولية المدين المتعاقد كالمقاول والطبيب عن خطأ الغير تتحقق في حالة استخدامه لذلك الغير في تنفيذ التزامه أو الاستعانة به في تنفيذه بأى صورة مما نتج بسببه ضرر بالدائن المتعاقد الآخر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه استند في قضائه بوجود خطأ طبي في جانب الطاعنين قبل المطعون ضده الأول – المدعي – أدى إلى الإضرار به إلى ما ورد بتقرير اللجنة الطبية الثلاثية المنتدبة أمام محكمة ثاني درجة المؤرخ 27/2/2009 بما مؤداه أنه قد أحال إلى أسباب ذلك التقرير واعتبرها جزءاً من أسبابه، وكانت اللجنة – والمكونة من ثلاث استشاريين في الأنف والأذن والحنجرة في كل من مستشفي......و...... – قد سردوا في تقريرهم وقائع الحالة المرضية للمطعون ضده ووفق تسلسلها الزمني قبل وبعد إجراء العملية الأولى التي أجراها المطعون ضده الأول بالمستشفي المطعون ضدها الثانية، وأن المطعون ضده وبعد إجراء تلك العملية بتاريخ 11/12/2002 قام بمراجعة المركز الطاعن الثاني بتاريخ 7/3/2005 حيث أجريت له فحوصات بواسطة الدكتور الطاعن الأول الذي أثبت في ملف المريض بأنه كان يشكو من انسداد أنفى، التهاب متكرر بالحلق، وألم في الأذن، انقطاع التنفس أثناء النوم أزير تنفسي وعسر التنفس مشيراً – الطاعن الأول – إلى نتائج الفحوصات على النحو التالي : تضخم قرينات الأنف السفلي والوسطى، احتقان اللوزتين، احتقان الحاجز الأمامـي، إفـرازات خلف أنفيـة ( الإفرازات النازلة من تجويف الأنف الخلفي إلى الحلق )، ترهل منطقة الحتك اللين، انكماش الطبلة، اختلال وظيفي في قناة ستاكيوس بالإضافة إلى وجود أزيز تنفسي فأوصى بإجراء أشعة مقطعية للجيوب الأنفية أجريت بالمستشفي...... بتاريخ 10/3/2005 وأظهر تقرير الأشعة المقطعية وجود تضخم في قرنيات السفلية للأنف بكلا الجانبين والتهاب الجيوب الغر بالية وبدرجة أكبر بالجانب الأيسر مع بروز متغير للغشاء المخاطي للجيب الفكي، فنصح الطاعن – وفقاً لما تبين له – بالتدخل الجراحي وتم إجراء العملية الجراحية الثانية بتاريخ 17/4/2005 حيث تم فيها استئصال اللوزتين والقرنيات السفلية مع جراحة تصحيحية للجيوب الأنفيه بالمنظار الضوئي، وأنه بعد العملية الثانية ساءت حالة المريض بتزايد حده الصداع وتفاقم تسرب الإفرازات السائلة من فتحة الأنف اليسرى والتي تأكد فيما بعد بالتحليل المخبري على أنها عبارة عن تسرب للسائل النخاعي الشوكي، وأنه وفي شهر فبراير 2006 أصيب المريض بنوبة مفاجئه من فقدان الوعي وضعف عام ونقل في سيارة الإسعاف إلى مستشفى المركز الطبي الجديد حيث أجريت له فحوصات بالرنين المغناطيسي والتي أظهرت وجود إنفتاق دماغي تجاه الجزء العلوي للتجويف الأنفي الأيسر وأحيل إلى مدينة الشيخ خليفة حيث أجريت له عملية تراقيع وإصلاح للثقب بالمنظار عن طريق الأنف وذلك بتاريخ 19/5/2006، وقد تحسنت حالة المريض بعد العملية وتوقف تسرب السائل من الفتحة اليسرى للأنف، وقد انتهت اللجنة بعد إجرائها الفحص السريري والتشخيصي للمطعون ضده الأول وفي خصوص ما هو منسوب للطاعنين إلى الرأي التالي : بأنه " في العملية الجراحية الثانية تعامل الجراح – الطاعن الأول – مع المسببات المرضية للشخير ونوبات انقطاع التنفس أثناء النوم ولقد ساعد ذلك في تخفيف أعراض الانسداد الأنفي ولكن المريض بدأ يعاني بعدها من تسرب إفرازات سائلة وبصورة شديدة من فتحة الأنف اليسرى والتي تأكد فيما بعد بأنها السائل النخاعي الشوكي، بالإضافة لذلك أصيب المريض بانفتاق دماغي باتجاه الأنف والذي يشير إلى وقوع المزيد من الأذى إضافة إلى الإصابة الموجودة أصلاً في قاعدة الجمجمة – التي انتهى التقرير إلى أن المطعون ضده الثالث هو الذي تسبب فيها أثناء إجراء العملية الأولى – كان يتعين على اختصاصي الجراحة – الطاعن الأول – في مثل هذه الحالة التي تحتاج إلى جراحة تصحيحيه استبعاد وجود مثل هذه الإصابة السابقة في قاعدة الجمجمة أولاً وذلك بالإطلاع على صور الأشعة المقطعية التي أجريت قبل العملية لدراسة نتائجها بدقة عالية، كما كان بإمكانه طلب إجراء المزيد من الفحوصات الإشعاعية ذات التقنيات التشخيصية المتقدمة مثل فحوصات الرنين المغناطيسي خصوصاً إذا كانت السيرة المرضية تتضمن ما يشير إلى احتمال تسرب السائل النخاعي الشوكي أثناء العملية الجراحية كان على الجراح استخدام تقنية جراحية عالية الدقة لاستكشاف مثل هذه الإصابات كما يجب أن يكون على معرفة ودراية بطريقة التعامل مع مثل هذه المضاعفات في حالة حدوثها سواء أثناء العملية أو بعد العملية، وذلك الفشل في إتباع ذلك أدى إلى إخضاع المريض لعملية جراحية ثالثة أكبر تعقيداً والتي أجريت له في مدينة الشيخ...... لإغلاق الثقب وإعادة بناء قاعدة وأخيراً بعد العملية الجراحية الثالثة أصبح المريض في حالة صحية حسنة وبدون أي عجز رئيسي، ومرة أخرى كان هناك قصور في التسجيل والتوثيق الطبي بالإضافة إلى قصور في تبصير وتقديم المشورة الصحيحة للمريض أيضاً "، وكان أخذ الحكم المطعون فيه بأبحاث ونتائج ورأى اللجنة الطبية المنتدبة وفيما انتهت إليه من وجود التقصير أو الخطأ في جانب الطاعن الأول التابع للطاعنة الثانية أدى إلى تفاقم الحالة المرضية للمطعون ضده الأول سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق، وفي ضوء ما هو ثابت من أن تلك اللجنة ضمت في عضويتها ثلاثة استشاريين متخصصين في ذات المجال لم يطعن الطاعنان بثمه مطعن في كفاءتهم الطبية والعلمية ومعرفتهم بأصول المهنة، وأن اللجنة قد واجهت بما أوردته من أسباب تفصيلية الرأي المخالف للطبيب الشرعي المنتدب أمام محكمة البداية والذي كان معروضاً عليها وتحت بصرها، وأن في تلك الأسباب الرد الكافي المسقط لما أثاره الطاعنان بوجه النعي، هذا ولا سند لما ادعى به الطاعنان من أنه – قد أجريا فحصاً مغناطيسياً للمريض بجانب الأشعة المقطعية قبل إجراء العملية الثانية لما هو ثابت من أن ذلك الفحص أجري بالمركز الطبي الجديد بتاريخ 26/2/2006 بينما أجريت العملية في 10/3/2005 وأن إجراءه اللاحق لم يكن بطلب من الطاعنين، كما أن نتائج العملية التي أجراها الطاعن الأول وإن ساعدت في تخفيف أعراض الانسداد الأنفي إلا أن ذلك كان بصفة مؤقتة حيث ورد بالتقرير أن المريض أصيب بعدها بإنفتاق دماغي باتجاه الأنف أدي إلى وقوع المزيد من الأذى، ولا أثر لما يحتج به الطاعنان من أن تقرير الأشعة المقطعية للجيوب الأنفية المجاورة التي أجريت في المستشفي...... بتاريخ 10/3/2005 هو الذي تم إجراء العملية بموجبه وأنه خلا من اشتباه بوجود الثقب الدماغي الذي أدى إلى تدفق السائل منه وبان ذلك يؤكده إعادة التقييم لهذا التقرير من قبل ذات المستشفى التي أصدرته والمؤرخ 30/5/2007 حيث ورد به لأول مره الاشتباه بوجود الثقب، ذلك لان الطاعنين هما الذين استخدما تلك المستشفى لمساعدتهما وصولً لإجراء العملية ولا علاقة للمريض المطعون ضده الأول بهذا الأمر، ومن ثم يكون ما ورد بأسباب الطعن على غير سند وهى في حقيقتها جدل فيما لمحكمة المضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ قضى بالتضامن دون بيان ما إذا كان الطاعنان قد اشتركا في الفعل الضار الموجب للمسئولية وهو إحداث الثقب في قاعدة الجمجمة من عدمه، وما إذا كان هناك مساهمة من جانبهما – حال ثبوت الاشتراك – في زيادة الضرر ومقدار هذه المساهمة وصولاً إلى نسبتها من التعويض المطالب به، وفي حين أن اشتراكهما في الفعل الضار أو مساهمتهما في زيادة الضرر غير متوفرة في الدعوى باعتبار أن الثقب تأتى من جراء العملية الأولى وحدها التي أجراها المطعون ضده الثاني بالمستشفي المطعون ضدها الثالثة، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 291 من قانون المعاملات المدنية على أنه " إذا تعدد المسؤولان عن فعل ضار كان كل منهم مسؤولاً بنسبة نصيبه فيه وللقاضي أن يحكم بالتساوي أو بالتضامن أو التكافل فيما بينهم " أنه يقرر مبدأ التضامن أو التكافل بين من يشتركون أو يساهمون بخطئهم في إحداث ضرر معين للمضرور، ومؤداه أن سلطة المحكمة في القضاء بالتضامن أو التكافل – سواء أكان الخطأ عقدياً أو تقصيرياً – وعلى ما يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون – متوفرة في كل حالة لم يكن في وسعها تعيين من أحدث الضرر حقيقة من بين من اشترك أو ساهم في الضرر أو تحديد نسبة مساهمة كل منهم في إحداثه متى كانت أخطائهم مجتمعة قد سببت إحداث الضرر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلزام الطاعنين بالتضامن مع المطعون ضدهما الثاني والثالثة بأداء التعويض المقضى به على سند من أن الثابت من واقع تقرير اللجنة الطبية " وجود خطأ طبي من كل المستأنف ضدهم ويتعين إلزامهم بالتعويض بالتضامن"، وكان المستفاد من ذلك التقرير الذي أثبت الاشتراك في الخطأ والمساهمة في إحداث الضرر – وعلى ما سلف بيانه – أن الأفعال والأضرار المترتبة قد تداخلت في أسبابها ونتائجها بحيث لا يتأتى تحديد نسبة مساهمة كل من المتسببين فيها، ومن ثم يكون الحكم قد طبق صحيح القانون على واقعات الدعوى ويضحى النعي عليه في هذا الخصوص على غير سند خليقاً بالرفض.
وحيث إنه، ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.
ثانياً : الطعن 430/2011 ( المرفوع من...... )
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، ذلك أنه قضى بتعويض جزافي دون إيراد عناصر الضرر الذي قضى من أجلها بالتعويض، وقد أوردت اللجنة الطبية في تقريرها تلك العناصر والمتمثلة في.... والتي يستحق عن بعضها دية كاملة وعن أخرى أرش مقدر أو حكومة عدل، وقد قصر الحكم عن التقرير فيما إذا كان الطاعن يستحق الدية عن فقدان حاسة الشم من عدمه ولم يواجه طلبه بإعمال قواعد الشريعة الإسلامية في شأن طلباته مكتفياً بالقضاء بتعويض جزافي، كما ولم يقض له بالتعويض الأدبي، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن عناصر الضرر ومقدار التعويض الجابر له ينظر إليها وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية
على ما قررته من أن الجروح والإصابات التي تصيب بدن الإنسان يستحق عنها المضرور إما الدية أو الأرش المقدر أو حكومة العدل، وقد قسم فقهاء الشريعة الجناية مادون النفس إلى خمسة أقسام يستحق عن بعضها الدية الكاملة كذهاب معاني الأطراف مع بقاء أعيانها، وعن الأرش المقدر في الشرع وهى الشجاج، أي جراح الرأس والوجه بشكل خاص وعددها حصراً إحدى عشر شجة، تستحق حكومة العدل وهى التعويض الذي يقدره القاضي مستعيناً في ذلك بالتقارير الطبية فيما دون المستحق عنه الدية أو الأرش المقدر،
كما ومن المقرر أنه يتعين على المحكمة في تقديرها للتعويض ( حكومة العدل ) تبيان عناصر الضرر الذي يدخل في حساب التعويض باعتباره من قبيل التكييف القانوني للواقع الذي تهيمن عليه محكمة النقض وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور، فإذا ما بينت في قضائها تلك العناصر فلا عليها من بعد أن قضت بتعويض إجمالي (حكومة عدل) لما لا يستحق عنه الدية أو الأرش المقدر لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أسس لقضائه بأن " حكم النقض يستلزم تعويض المستأنف عن كافة الإصابات التي لحقت به والثابتة بالتقرير الطبي الصادر عن اللجنة الطبية " بما مفاده أنه أحال تحديداً لعناصر الضرر إلى تلك الواردة بتقرير اللجنة الطبية الذي أورد تفصيلاً وبعد الفحص السريري والتشخيصي الإصابات المترتبة بأنها – تتمثل في ضمور عام في الغشاء المخاطي وثقب في الحاجز الأنفي الخلفي الأيمن تسبب فيه على الأرجح العملية الأولى على ما هو مسجل في ملف المريض بتاريخ 3/5/2004، واتساع فتحه الجيب الفكي وفقدان عظم الجزء الأمامي من القرين السفلي، وفقدان ثلثي عظم القرين المتوسط واتساع جيب الصماخ الأوسط للجانب الأيسر من الأنف وإنخسان أرنيه الأنف من الخارج، ونتوء غير متسق الجوانب بارز من قاعدة الجمجمة يعزى على الأرجح لأثر العملية الجراحية التي أجريت لإصلاح القاعدة، وجود علامات لعملية بضع ( شق ) صغيرة في الأذنين حيث أخذت رقعه وجهيه وغضروفيه بواسطة فريق أطباء مدينة خليفة لاستخدامها في ترقيع وإصلاح ثقب قاعدة الجمجمة، ووجود علامات تدل على إجراء عملية جراحية سابقة لتقصير اللهاة واستئصال اللوزتين دون ملاحظة أي مضاعفات. وإذ لم يكن في أي من تلك الإصابات المتخلفة عن العمليات التي أجريت على المطعون ضده الأول السالف إيرادها ما يستحق عنه شرعاً دية أو أرش مقدر بخلاف ثقب قاع الجمجمة والتي سبق القضاء للطاعن عنها بثلت دية (666 66 درهما) – وخلت الأوراق من ثبوت ما ادعى به الطاعن من فقدان لحاسة الشم، وإنما يستحق عن تلك الإصابات وما صاحبها من معاناة التعويض ( حكومة العدل ) وهو ما قضى به صحيحاً الحكم المطعون فيه، ومن ثم يضحى النعي عليه في هذا الخصوص على غير سند متعين الرفض.
وحيث إنه، ولما سبق، تقضى المحكمة برفض الطعن.

* * *