الطعن رقم 401 لسنة 24 جزائي
صادر بتاريخ 27/01/2009
هيئة المحكمة: السيد القاضي/فلاح الهاجري – رئيس الدائرة ، وعضوية السادة القضاه / رانفي محمد ابراهيم وأحمد عبدالحميد حامد.
1- اعتبار اقتناع القاضي المرتكز إلى الأدلة المطروحة في الدعوى الأساس المرتكز إليه قضائه في المحاكمات الجزائية.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 216)
2- عدم جواز مطالبة القاضي في المواد الجزائية بالأخذ بدليل معين فيما عدا الأحوال المقيد بمراعاتها قانوناً.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 216)
3- سلطة قاضي الموضوع في وزن قوة الاثبات والأخذ من أي بينة أو قرينة مرتاح إليها دليلاً لحكمه.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 216)
4- اعتبار الأدلة في المواد الجزائية متساندة مكملة لبعضها البعض.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 216)
5- سلطة المحكمة في استخلاص خطأ الطبيب في جريمة الإصابة الخطأ من خلال واقعة تجاهله نتائج الأشعة الواضحة والكافية لاكتشاف وجود عيوب خلقية لدى المريض ومُضيه في اجراء عملية جراحية للعين مفضية إلى فقدان البصر دون اتخاذ الحيطة ولا العناية اللازمتين قبل اجراء الجراحة.  

قانون اتحادي رقم 3: بإصدار قانون العقوبات (مادة 343)
6- اعتبار تقدير الخطأ المستوجب مسؤولية مرتكبه جنائياً او مدنياً وتقدير رابطة السببية من المسائل الموضوعية العائد للمحكمة سلطة الفصل فيها بغير معقب.  

قانون اتحادي رقم 3: بإصدار قانون العقوبات (مادة 343)
7- كفاية اثبات المحكمة كون المضاعفات الناتجة عن الحادث كفقدان البصر والثقب في تجويف الحجاج الأيمن حاصلاً كنتيجة مباشرة للعملية الجراحية لمساءلة الطبيب المعالج عنها.  

قانون اتحادي رقم 3: بإصدار قانون العقوبات (مادة 343)
8- عدم التزام المحكمة بالرد على كافة مطاعن ودفوع الطاعن عند قضائها بإدانته على أسس سائغة.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 212)
9- التزام مرتكب الفعل الضار بتعويض المضرور عن الأضرار اللاحقة به والكسب الفائت عند كونهما نتيجة طبيعية للفعل مصدر الضرر.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 212)
10- وجوب تطبيق احكام الشريعة الاسلامية في جرائم الحدود والقصاص والدية.  

قانون اتحادي رقم 3: بإصدار قانون العقوبات (مادة 3)
11- اعتبار الدية عقوبة وتعويض في آن واحد.  

قانون اتحادي رقم 3: بإصدار قانون العقوبات (مادة 26)
12- سلطة المحكمة العليا في القضاء عفواً بنصف الدية رغم عدم تطرق محكمة الموضوع بدرجتيها إليها عند تحقق شروطها لاتصالها بالنظام العام.  

قانون اتحادي رقم 35: بإصدار قانون الاجراءات الجزائية (مادة 24)
المحكمة
حيث إن واقعة الدعوى – على ما يبين من الحكم المستأنف ومن سائر الأوراق بالقدر اللآزم – تتلخص في أن النيابة العامة إتهمت الطاعن – ... – طبيب – لأنه وفي يوم 10/7/1997م بدائرة إمارة الشارقة :
- تسبب بخطئه في إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه ( المطعون ضده الثاني ) ... – أثناء قيامه بإجراء عملية جراحية بمستشفى الزهراء بإمارة الشارقة – أدت إلى فقدانه التام للإبصار بالعين اليمنى لإهماله وعدم إتخاذه الحيطة والحذر وإخلاله بما تفرضه عليه أصول مهنته الطبية. وطلبت معاقبته، طبقاً لأحكام المادة : 343/2 من قانون العقوبات الاتحادي.
ومحكمة الدرجة الأولى قضت حضورياً في جلستها بتاريخ 30/8/1999م بإدانة المتهم – الطاعن – وبتغريمه ألفي درهم وبإلزامه بدفع مبلغ عشرة آلاف درهم للشاكي – المجني عليه – ... كتعويض مؤقت.
ولما لم يلق ذلك القضاء قبولاً فقد قرر عليه بالإستئناف رقم : 1056/99 ومحكمة الإستئناف في جلستها بتاريخ 7/6/2000م حكمت برفض الإستئناف وبتأييد الحكم المستأنف.
ولما لم يرتض الطاعن بذلك الحكم فقد طعن عليه بالطعن : 248/22 ق.ع، كما طعنت عليه النيابة العامة بالطعن : 241/22 ق.ع وبجلسة 27/10/2001م قضت المحكمة في الطعن المقدم من النيابة العامة بعدم جوازه، وفي الطعن المقدم من الطاعن بنقض الحكم المطعون فيه وبإحالة القضية لمحكمة الإستئناف التي أصدرت الحكم المطعون فيه لنظرها مجدداً بهيئة مغايرة، ومحكمة الإحالة قضت في الإستئناف بجلستها في 29/10/2002م برفض الإستئناف وتأييد الحكم المستأنف.
ولما لم يلق ذلك القضاء أيضاً قبولاً لدى الطاعن فقد طعن عليه بالطعن الماثل للمرة الثانية حيث أودع محاميه صحيفة بأسباب طعنه لدى قلم كتاب هذه المحكمة كما أودعت النيابة العامة مذكرة بردها على أسباب الطعن رأت فيها رفض الطعن وهذه المحكمة بهيئة سابقة قضت في الطعن في جلسة 14/2/2004م بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة 13/3/2004م لنظر الموضوع وعلى قلم الكتاب إعلان الغائب من الخصوم ثم تم حجز الطعن للحكم لجلسة 3/4/2004م، حيث قضت المحكمة بهيئتها السابقة بالحكم التمهيدي الصادر في ذات الجلسة والمتضمن منطوقه إعادة المأمورية إلى اللجنة الطبية المشكلة بمقتضى الحكم الصادر من محكمة الإحالة بجلسة 20/1/2002م وتكون مهمتها وفق ما جاء في منطوق الحكم التمهيدي كما تم إعادة تشكل اللجنة الطبية، حيث أودعت تقريرها بجلسة 20/5/2008م وأعلن به الأطراف حيث أودعت مذكرات التعقيب على ذلك التقرير وتم حجز الطعن للحكم لجلسة 14/10/2008 وقد تم إعادة الطعن للمرافعة وإيداع تقريرا تكميلياً للتقرير الأصلي من اللجنة الطبية المشكلة بموجب الحكم التمهيدي وقد تم إعلان الأطراف بإيداع التقرير التكميلي وفي جلسة 19/1/2009م حضر أعضاء اللجنة الطبية أمام المحكمة بهيئتها الحالية حيث استمعت إلى أقوال كل منهم ومناقشتهم حول ما جاء في مضمون التقريرين الأصلي والتكميلي اللذين أعدتهم ذات اللجنة وفقاً لما جاء في منطوق الحكم التمهيدي الصادر من المحكمة بهيئة سابقة ومن ثم تم حجز الطعن للحكم لجلسة اليوم.
وحيث إنه وفيما يتعلق بشكل الإستنئناف فقد سبق القضاء بقبوله شكلاً من هيئة مغايرة ومن ثم فلا حاجة لإعادة بحثه مرة أخرى.
أما فيما يتعلق بالموضوع فإن واقعة الدعوى فيما أبلغ به الشاكي " المستأنف ضده – المطعون ضده " ... بتاريخ 23/2/1998م من أنه وفي شهر أكتوبر لسنة 1996 دخل مستشفى الزهراء بالشارقة لإجراء عملية لحمية بأنفه لكونه يعاني من ضعف في التنفس والتشخير أثناء النوم وقد قام المستأنف – الطاعن – وهو طبيب واستشاري للأنف والأذن والحنجرة في ذات المستشفى بإجراء الفحوصات اللآزمة للمطعون ضده – المجني عليه – للتأكد من إجراء العملية الجراحية له بنجاح ثم قام بإجراء العملية له حيث شعر المطعون ضده بعدها بتحسن وخرج من المستشفى ثم عاد بعد مضي ما يقارب من العشرة أشهر لإجراء الفحوصات اللآزمة للتأكد من سلامة العملية التي أجريت له إلا أن الطبيب المستأنف نصحه بعد ذلك بأن يقوم بإجراء عملية تنظيف للأنف فتم إجراء تلك العملية بتاريخ 10/7/1997م وقد أفاق بعدها وشعر بفقدانه للبصر في عينه اليمنى وأبلغ بذلك المستأنف والذي قام بدوره بإجراء عمليه أخرى للمجني عليه بحجة أن هناك تجمع دموي في العين أدى إلى عدم رؤيته بها إلا أن المجني عليه لم يشعر بأي تحسن بعد تلك العملية وأصبح لايرى شيئاً بتلك العين، فقام بإبلاغ المستأنف وإدارة المستشفى بذلك حيث بادرت إدارة المستشفى إلى إرساله إلى المملكة المتحدة لعلاجه على نفقه المستشفى حيث أدخل في مستشفى كرومويل بلندن وتم إجراء فحوصات أولية لتقدير حالته الصحية وتم عرضه على عدد من الإستشاريين المختصين في جراحات العيون حيث انتهى كل من هؤلاء الأطباء إلى تقارير خلاصتها أن عين المجني عليه – المطعون ضده – اليمنى قد تلفت نهائياً بسبب قطع أعصاب العين أثناء العملية الجراحية التي أجراها الطاعن – المستأنف – الدكتور ... وأنه لا يمكن علاجها، وعليه فإنه يحمل الطبيب المذكور مسئولية ذلك لتسببه في فقدان بصره لإهماله وعدم إتخاذه الحيطه والحذر عند إجراء العملية ويطالبه ومستشفى الزهراء بأن يؤديا له التعويض اللآزم عما لحقه من عاهة مستديمة تمثلت في إتلاف بصره في العين اليمنى، وعند مواجهة الطبيب – المستأنف – بذلك أقر بأنه قام بإجراء العملية المذكورة للمستأنف ضده – المجني عليه – بعد أن تقدم الأخير إلى مستشفى الزهراء شاكياً من أنه يعاني من تساقط المخاط خلف الأنف وانسداد الأنف وصداع وآلام في الوجه ثم قام بالكشف عليه وقام بعمل منظار للأنف وأشعة مقطعية لمنطقة الجيوب الأنفية فتبين له وجود التهاب بالجيوب الأنفية الفكية مع إنحراف في الوتيرة الأنفية من الناحية اليسرى ثم قام بشرح ذلك للمجني عليه ووسائل العلاج الطبية والجراحية وقد فضل المجني عليه إجراء العملية الجراحية فتم إدخاله المستشفى وإجراء العلمية له بعد إجراء الفحوصات الآزمة لذلك واستعان في إجراء العملية بفريق طبي يتكون من طبيب تخدير وطبيب مساعد له في إجراء العملية واستعمل المعدات الطبية اللازمة لإجراء مثل تلك العملية كالمنظار وجهاز" المايكرو بريرر " وهو جهاز يقوم بشفط وقطع الأغشية الداخلية الدقيقة في آن واحد وذلك بعد طعن المريض بمادة قابضة لسيولة الدماء وأخذ يبحث عن فوهة الجيب الفكي الأيمن والتي توجد في أغلب الحالات الطبيعية خلف الجزء الأسفل لهذه العظمة متخذاً كافة إحتياطاته ولكنه فوجئ بوجود الدهن المحيط بالعين في تلك المنطقة فأدرك أنه أمام حالة غير طبيعية حيث كان وضع قاع العين في مستوى أسفل من المستوى الطبيعي مع ضمور في حجم الجيب الأنفي الفكي فتوقف عن الجراحة وقام بفحص العين واستعان باستشاري العيون والذي نصحه بإعطاء المريض مادة موسعة للشرايين مع الإستمرار في إعطائه مادة الكوتيزون كما استشار مراكز متخصصة في أمريكا والذين نصحوه بإعطاء المريض أدوية مسيلة للدم إلا أنه وأخيراً وبعد أن قام بإجراء فحص الرنين للعين اليمنى تأكد أن عضلتها مصابه بقطع مع سحب عصب العين في إتجاه فتحة الجيوب وقد تم إرسال المجني عليه بعد ذلك إلى مستشفى كرمويل في بريطانيا للعلاج وأنه هو المسئول الفني وقائد الفريق الطبي الجراحي الذي قام بإجراء العملية الجراحية وأن لديه خبرة طويلة في إجراء مثل تلك العمليات إلا أن العمل الجراحي دائماً محفوفاً بالمخاطر.
وحيث إن تقرير الطبيب الشرعي بوزارة العدل قد جاء فيه بعد إطلاعه على الملف الصحي للمجني عليه – المستأنف ضده – في مستشفى الزهراء وإجراء الكشف والمعاينة وسؤال الطبيب المستأنف – الطاعن – أن العملية الجراحية التي أجراها الطبيب للمجني عليه قد حدثت أخطاء أثناء إجرائها فقد اخترق المثقاب المستعمل في العملية تجويف حجاج العين اليمنى بدلاً من تجويف الجيب الأنفي الوجني الأيمن مما أدى إلى تهتك العضلة المستقيمة الإنسيابية وإنسداد شريان العين اليمنى وإنحرافها للخارج وقد أدى هذا الخطأ إلى فقدان تام ونهائي للإبصار بها ويعتبر هذا الخطأ خطأً مهنياً يرجع إلى إهمال وعدم التحرز من الطبيب المعالج والذي يقر بمسئوليته عن إجراء العملية الجراحية للمجني عليه التي أدت إلى فقدان البصر عنده في العين اليمنى وقد رد الطبيب الطاعن – المستأنف – على ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي إلى أن السبب الذي أدى إلى فقدان الإبصار بالعين اليمنى لدى المجني عليه يرجع إلى التشوة الخلقي لدى المجني عليه، حيث أن وضع العين عنده وجد أسفل بكثير من الوضع الطبيعي وهذا ما يدل على أن حالة المجني عليه تعتبر نادرة وأنه لم ير إلا حالتين فقط مثل تلك الحالة خلال فترة عمله الطويلة في المستشفيات وأن الفني المختص بالأشعة لم ينبهه بوجود مثل هذا التشوه الخلقي كما أن مساعده أيضاً لم يخبره باختراقه لجدار العين بالمثقاب أثناء العملية مما أدى إلى دخول ذلك المثقب إلى العين بدلاً من الجيب الأنفي نتيجة لضآلة وضيق ذلك الجيب فأدى إلى إتلاف البصر في العين اليمنى للمجني عليه.
كما ورد في تقرير اللجلنة الطبية المشكلة من وزارة الصحة بعد إطلاعها على كافة التقارير الطبية التي أُعدت عن حالة المجني عليه والقيام بالكشف والمعاينة من جانبها على المريض – المجني عليه – أن البصر في العين اليمنى قد فقد عنده تماماً نتيجة للعملية التي قام بإجرائها الطبيب الطاعن والمستأنف والذي لم يكتشف التشوه الخلقي لدى المريض من خلال الأشعة المقطعية التي أجريت قبل العملية مما أدى إلى وقوع الخطأ الغير مقصود نتيجة لإهماله وعدم أخذه الحيطة والحذر عند إجراء العملية الجراحية وقد ادعى المجني عليه – المستأنف ضده – مديناً مطالباً بإلزام الطبيب المستأنف – المدعي عليه بالحق المدني وبدفع الدية الشرعية لتسببه بخطئه المهني الطبي في فقدان المدعي لبصره في عينه اليمنى بالكامل وذلك بالتضامن مع المدعي عليه الثاني مستشفى الزهراء، فأصدرت محكمة الدرجة الأولى قضاءها السالف الذكر محل الإستئناف الماثل.
وحيث إن موضوع الإستئناف الماثل قد نظر أمام محكمة الإستئناف حيث أصدرت فيه حكماً تمهيدياً بندب خبرة طبية في موضوع الدعوى تكون مهمتها وفق ما جاء في منطوق ذلك الحكم ثم أصدرت قضاءها الذي تم الطعن عليه أمام هذه المحكمة بالطعن : 401/24 ق.ع جزائي شرعي حيث قضت بنقض ذلك الحكم وإحالة الدعوى إلى محكمة الإستئناف مصدرته حيث قضت الأخيرة بتاريخ 29/10/2002م بقضائها الذي تم الطعن عليه للمرة الثانية أمام هذه المحكمة فقضت بنقض الحكم المطعون فيه والتصدي لموضوع الإستئناف.
وحيث إن المستأنف – الطاعن – ينعى على الحكم المستأنف بالقصور في التسبيب والفساد في الإستدلال ومخالفة الثابت في الدعوى والإخلال بحق الدفاع وذلك لأن الحكم المستأنف لم يناقش الدفاع الذي تقدم به الطاعن ولم يحقق ما تقدم به من طلبات وصدر قبل الأوان وأدانه على الرغم من عدم ثبوت إرتكابه لثمة خطأ مهني جسيم إذ أنه مؤهلاً تأهيلاً علمياً ويحمل العديد من الشهادات والخبرات العلمية في مجال تخصصه وأن ما وقع منه يعتبر خطأ غير مقصود من جانبه ولا يسأل بالتالي عنه جنائياً أو مدنياً كما أن الحكم قد التفت عما أثاره من دفوع تعتبر جوهرية وكافية لإعلان براءته عما نسب إليه من جرم، وانتهى في لائحة استئنافه ومذكرات دفاعه إلى طلب إلغاء الحكم المستأنف والحكم ببراءته ورفض الدعوى المدنية المقامة من المستأنف ضده – المطعون ضده – ( المجني عليه ) وأمام المحكمة أنكر الإتهام المسند إليه وقرر بأن ما جاء في تقرير اللجنة الطبية التي شكلتها وزارة الصحة لم ينسب إليه أي خطأ، وقدم محاميه مذكرة تفصيلية بدفاعه أرفق بها عدد من المستندات وخلص فيها إلى طلب إعلان براءة موكله مما هو منسوباً إليه.
وحيث إن هذه المحكمة وبهيئة مغايرة قد أصدرت حكماً تمهيدياً في جلستها بتاريخ 3/4/2004م قضى في منطوقه بإعادة المأمورية إلى اللجنة الطبية المنتدبة من محكمة الإستئناف في الدعوى بموجب الحكم الصادر منها في 20/1/2002م وتكون مهمتها وفق ما جاء في منطوق الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 3/4/2004م وقد قدمت تلك اللجنة تقريرها في الدعوى والذي خلصت فيه إلى نسبة الخطأ الذي أدى إلى فقد المستأنف ضده – المطعون ضده – بصره في العين اليمنى إلى إهمال الطبيب المستأنف – الطاعن – وقد تسلم كل من المستأنف – الطاعن – والمستأنف ضده – المطعون ضده – والنيابة العامة نسخة من ذلك التقرير حيث أبدا كل من الطرفين تعقيبه على ما جاء فيه من نتيجة وفق ما جاء في المذكر ة المقدمة من كل منهما، وقدمت ذات اللجنة تقريراً تكميلياً لتقريرها الأول انتهت فيه إلى ذات النتيجة التي خلصت فيها إلى ما انتهت إليه في تقريرها الأول من نسبة الخطأ إلى المستأنف – الطاعن – في العملية الجراحية التي قام بإجرائها للمستأنف ضده – المطعون ضده – وكان من نتيجتها ذهاب إبصاره من عينه اليمنى تماماً، وقد استدعت هذه المحكمة أعضاء اللجنة الطبية المذكورة واستمعت إلى أقوالهم جميعاً حول ما جاء في مضمون ونتيجة التقريرين المقدمين منها على ضوء ما جاء في المأمورية المسندة إليهم وفق منطوق الحكم التمهيدي الصادر من هذه المحكمة بتاريخ 3/4/2004م ولم يحضر أي من المستأنف – الطاعن – والمستأنف ضده – المطعون ضده – أو وكيلهما رغم تمام إعلانهم ومن ثم تم حجز الطعن للحكم.
وحيث إنه ولما تقدم ولما كان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء المحكمة العليا – " أن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه
ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك
وقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات ويأخذ من أي بينه أو قرينه يرتاح إليها دليلاً لحكمه
ولا يلزم فى الأدلة التي اعتمد عليها الحكم أن يكون كل دليل يقطع في كل جزء من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ولا يشترط في الدليل أن يكون دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الإستنتاج مما تكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ".
ولما كان ذلك وكانت الواقعة حسبما استقر في وجدان هذه المحكمة واستيقنته نفسها من الإطلاع على تقرير اللجنة الطبية المنتدبة وفق منطوق الحكم التمهيدي الصادر من هذه المحكمة ومن التقارير الطبية المرفقة بالدعوى ومنها تقرير الطب الشرعي ومن كافة الأوراق والتي أوضحت جميعها بأن المستأنف – الطاعن – والذي يعمل طبيباً استشارياً للأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الزهراء الطبي بإمارة الشارقة قد قام بإجراء عملية جراحية للمستأنف ضده – المدعي بالحق المدني – ... بتاريخ 10/7/1997م لتنظيف الجيوب الأنفية لديه بواسطة المنظار والمثقاب ( المايكرو بريرر) ولكون المذكور لديه تشوه خلقي في تكوين الجيوب الأنفية وجدار الأنف الجانبي والذي أدى إلى وجود قاع حجاج العين في مستوى أسفل من المستوى الطبيعي لدى الأشخاص العاديين وقد دلت على ذلك الأشعة المقطعية التي تم عملها قبل العملية حيث أوضحت الأشعة بأن هناك تشوه خلقي لدى المريض وأن الجيوب الفكية حجمها صغير مما يؤدي بصعوبة العملية وأنها نادرة الحدوث مما أدى إلى أن المثقاب الذي استعمله الطبيب في إجراء العملية الجراحية قد اخترق تجويف حجاج العين اليمنى للمريض بدلاً من تجويف الجيب الوجني الأيمن مما أدى إلى تهتك العضلة المستقيمة الإنسيابية وانسداد شريان العين اليمنى وإنحرافها للخارج ومن ثم فقدان تام للإبصار في تلك العين وقد أدرك ذلك المستأنف خلال إجراء العملية حيث اكتشف بروز الدهون الموجوده داخل الحجاج ورؤيته لها. حينها علم بأنه قد أحدث ثقباً في جدار العين وهو الأمر الذي تسبب فيه المذكور بخطئه في إحداث العاهة المستديمة للمجني عليه. وذلك بتفويت منفعة العين مع بقاء صورتها وإذا كان خطأ المستأنف هو الركن المعنوي في جريمة الإصابة الخطأ المسندة إليه فقد ظهر إهماله وعدم أخذه للإحتياط والتحرز وهي من صور الخطأ واضحاً من كافة الأسباب التي إنطوى عليها تقرير اللجنة الطبية المنتدبة والتقارير الأخرى وكافة أوراق الدعوى فقد أهمل المستأنف في إتخاذ الإجراءات والعناية اللآزمة قبل إجراء العملية الجراحية للمجني عليه فلم يأخذ الحيطة والحذر بإهماله في قراءة الأشعة المقطعية التي تم عملها قبل إجراء العملية والتي أجريت تلك العملية استناداً إليها فقد كانت تلك الأشعة واضحة بالقدر الكافي لإكتشاف العيوب الخلقية التي وجدت لدى المريض إلا أن الطبيب المعالج – المستأنف – لم يأبه بذلك ولم يبذل العناية الكافية مما جعله لا يكتشف ذلك التشوه الخلقي لدى المريض مما أدى به إلى إجراء العملية الجراحية دون أن يكون لديه الإلمام الكافي بالتشوهات الخلقية لدى المريض فوقع في الخطأ نتيجة لإهماله مما أدى إلى إلحاق الضرر بالمجني عليه والمتمثل في إفقاده بصره في عينه اليمنى ولا يعفى المستأنف تمسكه بأن تلك العيوب الخلقية التي ظهرت له فجأة أثناء إجراء العملية الجراحية للمريض هي من العيوب الخلقية النادرة التي لا يمكن اكتشافها ذلك أن ما جاء في تقرير اللجنة الطبية المنتدبة وأقوال أعضائها بعد حلفهم اليمين أن تلك العيوب كانت واضحة من الأشعة المقطعية التي تم عملها قبل إجراء تلك العملية الجراحية وأنه بإمكان الطبيب العادي اكتشافها وبالتالي عدم الإقدام على إجراء مثل تلك العملية توخياً للوقوع في مثل ما وقع فيه المستأنف نتيجة لإهماله وعدم أخذه للحيطه والتحرز ومحجازفته التي أدت إلى ما لا تحمد عقباه من إلحاق الضرر الفادح بالمجني عليه والمتمثل في إفقاده لبصره تماماً في عينه اليمنى.
وإذ كان ما تقدم وكانت هذه المحكمة تطمئن إليه وكان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء المحكمة العليا – أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنيا وتقدير رابطة السببية من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ويكفي توافر رابطة السببية بين خطأ الجاني والضرر الواقع أن تنتهي المحكمة إلى أنه لولا إرتكاب المستأنف – الطاعن – لذلك الخطأ لما وقع الضرر الذي انتهى بالمستأنف ضده إلى فقدانه بصره،
وأن المضاعفات التي حدثت والتي نتج عنها حدوث ثقب في تجويف الحجاج الأيمن وفقدان البصر الكلي عن العين اليمنى هو نتيجة مباشرة للعملية الجراحية التي أجراها المستأنف – الطاعن
– وهو ما يعني بأن المحكمة غير ملزمة بالرد على كافة مطاعن ودفوع المستأنف – الطاعن – بعد أن انتهت إلى الحقيقة النهائية والدليل القطعي والجازم والتي تخلص منه هذه المحكمة إلى ثبوت إرتكاب المستأنف – الطاعن – للإتهام المسند إليه وهو التسبب بإهماله وعدم إتخاذه الحيطه والحذر في إلحاق الضرر بالمجني عليه – المطعون ضده – وإحداث عاهة مستديمة له وذلك بإفقاده لبصره في عينه اليمنى أثناء قيامه بإجراء العملية الجراحية له.
وحيث إنه عن الإدعاء المدني الذي تقدم به المجني عليه – المطعون ضده – فإنه ولما كانت مسئوولية الطاعن عما هو منسوباً إليه من إهمال قد ثبتت في حقه وفق ما سبق ذكره على ضوء إدانته بالتسبب خطأ في إلحاق الضرر بالمجني عليه – المستأنف ضده – ناصر سيف الربيعي أثناء قيامه بإجراء العملية الجراحية وفق ما جاء في التقرير المقدم من اللجنة الطبية المنتدبه والتقارير الأخرى المرفقه والتي تقطع جميعها بخطأ المستأنف في إحداث العاهة المستديمة للمجني عليه، وقد توافرت العلاقة السببية بين هذا الخطأ من جانبه والضرر الذي لحق بالمجني عليه، وعليه فإن المستأنف يكون ملزماً بالتعويض الجابر لذلك الضرر
إذ أن من المقرر قانوناً أن من أحدث ضرر بالغير يلزم بالتعويض الجابر لذلك الضرر ولو غير مميز، كما أن الضمان يقدر بقدر ما يلحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب شريطه أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار،
ولما كانت هذه المحكمة قد خلصت إلى ثبوت إرتكاب الطبيب المستأنف – الطاعن – لعناصر جريمة التسبب خطأ في إحداث العاهة المستديمة بالمستأنف ضده – المطعون ضده – وذلك بفقده إبصار عينه اليمنى الأمر الذي يكون معه قد أصابه بأضرار مادية تمثلت في المساس بسلامة جسمه وتفويت منفعة عينه والتشوه الذي لحق به من جراء ذلك.
ولما كان من المقرر بنص المادة الأولى من قانون العقوبات الاتحادي قد نصت على " أنه تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية "
ومؤدى ذلك وجوب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في جرائم الحدود والقصاص والدية،
وكان من المقرر أيضاً أن الدية عقوبة وتعويض في آن واحد، فهي عقوبة فيها معنى الضمان، وهي عقوبة لأنها مقدره جزاء للجريمة المرتكبه، وهي تعويض لأنها مال خالص للمجني عليه أو ورثته فإذا تحقق موجب القضاء بها في الجرح الخطأ ببتر عضو أو أكثر أو تفويت منفعة فإنه يتعين القضاء بها أو بالأرش.
ولما كان ذلك وكان من المتعين على هذه المحكمة وقبلها محكمة الدرجة الأولى في هذه الدعوى القضاء بإلزام المستأنف – الطاعن – نصف الدية الشرعية المقدرة شرعاً للمجني عليه لتسببه خطأ في فقد المجني عليه لبصره تماماً في عينه اليمنى حيث ذهب نفع العين مع بقاء صورتها، ولا ينال من ذلك أن المستأنف هو الطاعن دون المجني عليه – المستأنف ضده ( المدعي بالحق المدني ) وأن الطاعن لا يضار بطعنه إذ أن من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن لها أن تثير في الطعن المسائل المتعلقة بالنظام العام وأن لم يثرها أحد من الخصوم وإن كان ما تثيره يضير الطاعن عملاً بما استقر عليه – قضاء هذه المحكمة – " أن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على وجهها الصحيح لا يضر أحداً وأن أحكامها واجبة التطبيق ويبطل كل قضاء يخالفها، وأن هذه المحكمة تفصل في الموضوع متى كانت عناصر الفصل فيه وطروحه أمامها وكانت الأسباب التي تثيرها واردة على الحكم المطعون فيه وتعلقت بها أسباب الطعن.
لما كان ذلك ولئن كانت المادة (27) من الدستور تنص على أن يحدد القانون الجرائم والعقوبات. إلا أن المادة الأولى من قانون العقوبات الاتحادي تستثني من سريان أحكامه جرائم الحدود والقصاص والدية وتقضي بإخضاعها لأحكام الشريعة الإسلامية. وهو ما أكدته المادة الثانية من القانون الاتحادي رقم 3/96 بشأن إختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية حداً أو تعزيراً في جرائم القصاص والدية.
لما كان ذلك وكانت الدية الشرعية قد حددت بمبلغ (200.000) درهماً بموجب القانون الاتحادي رقم 9/2003 باعتبار ذلك المبلغ معادل لقيمتها بالعملة الورقية المحلية التي تتعرض للتغيير من حيث قوتها الشرائية، فإن المجني عليه يكون مستحقاً لنصف الدية المقدرة شرعاً لفقدانه لبصره في عينه اليمنى حيث ذهبت نفعها مع بقاء صورتها ويكون بذلك مستحقاً لمبلغ مائة ألف درهم وهي مقدار نصف الدية يلزم بها المستأنف لتسببه في إحداث عاهة مستديمة للمجني عليه تمثلت في فقدانه للبصر تماما في إحدى عينيه.
وإذ اعتبر الحكم المستأنف أن المجني عليه – المستأنف ضده – يستحق تعويضاً مؤقتاً قدره عشرة آلاف درهماً فإنه يتعين إلغاؤه جزئياً من هذا الخصوص وذلك وفق ما سيرد في المنطوق.

* * *